تتلخص فكرة العمق ومبدأ هذه النظرية لدى هيئة سوق المال في كون توافر السيولة في فترة سابقة نتيجة لصعود أسعار النفط، والإنفاق الحكومي ساهم في وجود سيولة هائلة مع قلة قنوات الاستثمار، فدخلت لسوق الأسهم وهو أيضا يعاني من قلة شركاته المطروحة وقلة أسهم كثير من هذه الشركات، الأمر الذي أتاح للمضاربين ومكنهم من نفخ بالونة أسعار هذه الأسهم ومعها مؤشر السوق وبلوغها مستويات مرتفعة، ما أغرى صغار المتداولين بالدخول والبيع عليهم في قمم هذه الأسعار ليخرجوا بعدها من السوق، وكان عموم الضحايا هم الصغار ولكي لا تتكرر هذه البالونة مرة أخرى فالحل الوحيد هو طرح المزيد من الشركات الضخمة في رؤوس أموالها المستلزمة بالتأكيد كثرة الأسهم، لتكون قنوات استثمارية تستوعب هذه السيولة الضخمة وللحيلولة دون تلاعب كبار المضاربين بسوق الأسهم ورفع الأسعار إلى مستويات خيالية، فهل كان هذا حلا لمعالجة الخطأ بخطأ مثله؟ وأعظم في آثاره الكارثية يتضح ذلك بالمقارنة، فالمتداولون الصغار حينما دخلوا سابقا وقبل انهيار 25 فبراير 2006 مدفوعين بإغراءات السوق وصعود الأسهم لمستويات مرتفعة جدا كانوا على الأقل يعرفون حقائق كثيرة من هذه الشركات وأنها شبه مفلسة ولا جدوى منها فلديهم قناعة متأصلة في نفوسهم أنها مضاربات محمومة قادت لهذه المستويات، ما الفارق بين أحوال الشركات التي دفع المضاربون بقيمها صعودا مدويا ثم هبوطا مروعا وبين شركات العمق؟ إعمار تطرح بعشرة ريالات وزين بعشرة ريالات والتأمين كل شركاته بعشرة ريالات وتسمح الهيئة في أول يوم للتداول بالصعود بلا حدود لأسعار هذه الأسهم وبعد ذلك يتوالى الارتفاع في إعمار إلى 58 ريالاً، وفي زين إلى 28 ريالاً، وفي التأمين تجاوز كل سهم المئة ريال علما أن المؤسسين لهذه الشركات لهم مدة زمنية يمتنع في حقهم البيع قبل مضيها مما يعني أن الأسهم المطروحة قليلة مما يتيح للمضاربين السيطرة عليها والصعود بها بعنف وبعد فترة من الزمن ولأن هذه الشركات دخلت سوق الأسهم دون أن يكون هناك فترة زمنية تثبت بها نجاح هذه الشركات، ويتأكد المتداولون من جدواها ويتكون لديهم الثقة في واقعها ومستقبلها وقدراتها، هبط مثلا سهم إعمار من 58 ريالاً إلى 7 ريالات وزين من 28 ريالاً إلى 6 ريالات والتأمين ليس أحسن حالا منهم، إذا كان المكتتبون في شركة زين بالقيمة الاسمية خسروا 9 مليارات فما هو حجم الخسائر التي تكبدها المتداولون الذين قاموا بالشراء من أعلى سعر له وهو 28 ريالاً إلى 10 ريالات مثلا، لأن المكتتبين خسائرهم تبدأ من كسر حاجز العشرة ريالات وعليها فقس. حرائق سوق الأسهم تلتهم الأخضر واليابس وأتت على مدخراتهم وقضت على آمالهم وصعد للعقار في هجرة معاكسة بعدما هجر المتداولون أسواق الأسهم بعد فقدان الثقة فيه وفي شركاته الجديدة التي قدمت على أنها فرص استثمارية، والأعجب من ذلك أن الشركات التي تهافت أصحابها على طرحها وحرصوا على دخولها سوق الأسهم بحجة أن سوق الأسهم فيه ضمانة لديمومة وبقاء شركاتهم العائلية ولكونه يمثل مصدرا من مصادر التمويل عند الحاجة لرفع رأسمال الشركة لإنقاذها من الإفلاس أو للتوسع في مشاريعها المستقبلية، وطبعا هذا يكون على حساب الشعب الذي صدق أفراده بحقيقة هذه الشركات وآمن بجداوها ولا أقول أن كل الشركات المطروحة أو التي دخلت السوق سيئة فهناك شركات نقف لها احتراما مثل المراعي وجرير وأما قاصمة الظهر فهي حين نرى غالب الشركات التي طرحت بعلاوة اصدار مرتفعة إحداها بسبعين ريالاً وفقد هذا السهم ما يزيد على 80% من قيمته، وأصحاب الشركة أنفسهم لم يشتروا فيه بل حين تنظر في نسب تملكهم تجد أنهم باعوا من حصتهم الباقية وهي السبعين بالمئة الشيء الكثير فإذا كانوا يثقون في شركتهم أداء ونتائج ومستقبلا، فلماذا لم يقوموا بالشراء فيها وقد بلغت هذه الأسعار المتدنية، وإذا قلنا إنهم لا يريدون الرجوع بشراء نسبة من ال 30% ولن أقول كلها لتمكين المتداولين من تقاسم كعكة الأرباح، لكن ما لا يقبل هو بيعهم لجزء كبير من ال 70% مما يدل على عدم الثقة، وأنه ليس هناك قناعة بواقع ومستقبل هذه الشركات وشركات الوساطة هي اليوم من ضحايا سوق الأسهم، رغم أن هناك من يشجع ويدعو للاندماج فيما بينها لتجنيبها الإفلاس علما أن نجاحها مرتبط بقوة وحركة التداولات كالأسواق التجارية، والربح لا يأتي من مظهرها وجمال تصميمها وعصريتها وإنما من كثرة متسوقيها وأعتقد أن سوق أسهمنا بحاجة إلى فهم هذه الحقيقة فإذا كان يقال أنه للاستثمار وليس للمضاربة، فأسواق أوروبا وأمريكا واليابان وشركاتها لا يمكن لعاقل أن يقارن بين شركاتنا وبين شركاتهم.