الشعوب كما المجتمعات كما الكائن البشري تفرض قوانين الطبيعة ، وسنن الحياة لكي تبقى وتمارس وجودها وأدوارها في أن تتجدد ، وتتطور ، وتقتحم العصر بأدوات المعرفة ، والتنوير ، وتستشرف الفعل الطليعي عبر استيعاب منجزات العقل ، وامتلاك الوعي الحضاري في كل مناحي رؤاها ، وخططها ، وبرامجها، التعليمية ، والاقتصادية ، والثقافية ، ونمط العيش ، وتدخل في منظومة الحداثة الواعية التي تجعلها قادرة على امتلاك الحركة المعلمنة ، وفهم دينامية التاريخ وتأثيراته لإخضاع الزمن ليعمل مع الكفاءة البشرية في صالح التطور ، والانعتاق من تراكمات البلادة ، ومخزون الفهم المتخلف الذي يعلو بصدئه بعض العقول ، ويعيقها عن قراءة المتحول في هذا الكون ، ويعيدها إلى موروث بائس من العادات والتقاليد التي هي تراكم ثقافي اجتماعي ، وليست ثوابت عقدية . الشعوب لكي تحيا ، والإنسان لكي يقوم بأدواره وواجباته في بناء النهضة ، والتطور ، ومساهمته في دفع وثبات التنمية والنمو في كافة المضامين والفروع الحياتية ، ويكون فاعلاً في تحقيق الحلم النهضوي ، يلزمه توفر المناخات الصحية المؤطرة بالوعي ، والفكر ، والثقافة ، والفضاءات التي تمنح العقل مساحات من الخلق ، والإبداع ، والتفكير ، والحرية الفكرية التي لاتقولب القضايا في مفاهيم ضيقة ومحدودة ، بل تساهم في تحريض الفكر ، والعقل على العمل ، والقراءة للتجارب البشرية ، والاستنتاج ، والاستشراف ، وبالتالي خوض التجربة الحضارية ، والإنتاجية عبر ثراء معرفي واسع ومثير ، بعد التخلص من العقد ، والشكوك ، والأوهام التي تسربل بأثقالها كلّ خطوٍ نحو عوالم التأثير في الحضارة الإنسانية ، والإسهام في بناء التقدم البشري في هذا الكون الواسع . وإلا فإن الشعوب ، والفرد يتخلون عن زمنهم ، ويستقيلون من حياة العصر ، ويتحولون إلى هامش بائس يستحق الإشفاق ، والرثاء . وبالتالي فإن المصير الحتمي هو الموت المعنوي ، والانسلاخ من مهمة صناعة التاريخ الاجتماعي ، وصياغة مستقبلات الجغرافيا والتاريخ الوطني.. الزمن لايعمل مطلقاً لصالح المتخاذلين المترددين والمصابين بعقد الخوف ، وغياب الثقة ، والمشككين في أي تجربة حياتية تطويرية ، والمرعوبين من توفر الوعي ، والانفتاح المتزن والعاقل ، والذين يفكرون من خلال رؤية ضيقة جداً محورها الامتيازات السلطوية ، والاجتماعية ، سيما وأن الوقت ليس فيه متسع لكي نؤجل بعض الأفكار التي تخدم اقتصادنا الوطني ، وتنمي شؤون التربية والتعليم لأجيالنا القادمة على منعطفات ومسؤوليات كبيرة وهائلة في المحافظة على الكيان السياسي ، والجغرافي ، والإرث النضالي , كما أن الثورة التقنية ، والحضارية التي تعم العالم ، وتعيد صياغة مفاهيمه تحتم علينا الشجاعة الكاملة في مواجهة أنفسنا ، وواقعنا ، ونتعامل بعقلية العصر ، ومنجزه ، كي يكون وطننا وطناً للشموس ، والتألق في إضافة جهد مفيد للعالم . لقد أُرهقنا كثيراً ، وأُحبطنا ، وسكنتنا الأوجاع بفعل بعض الممارسات الرافضة لكل جديد ومتغير ، وأصبح المجتمع مقيداً ، إن لم نقل مسربلاً لايستطيع الحركة بسبب بعض الأفكار التي تصدر من أنصاف متعلمين إن لم نقل أميين ، لايملكون الرؤية ، أو الفكر ، أو القراءات للمتغير والثابت ، والتفريق بينهما ، وهذا يجعل الأثمان باهظة في المستقبل يدفع فواتيرها أبناؤنا وأحفادنا ، وهذا ظلم وقهر..