عندما يكون من يتعرض للعنف واعياً ومدركاً لما يتعرض له فإنه يستطيع ببساطة رفع العنف عن نفسه من خلال التعبير والإبلاغ عما يتعرض له لمن يرى أنه يمكنه التدخل لرفع العنف والأذى عنه سواء أشخاص أو جهات معنية، ولكن كيف سيكون الحال لو كان هذا المعنَّف مريضا نفسياً غير واع بكيفية رفع هذا العنف عنه، ولا مدركاً بأن هناك جهات يمكنه اللجوء إليها لحمايته منه. وهذا ما أوجد تحركاً رسمياً من وزارة الصحة لإيجاد لجان وفرق تعنى بالحماية من العنف داخل مجمعات الأمل ومستشفيات الصحة النفسية وهذه اللجان تهتم بالتعامل مع الحالات النفسية التي تعاني من عنف أسري أياً كان نوعه – جسدي، نفسي، جنسي، إهمال...الخ- واتخاذ التدابير اللازمة للتصدي لهذا العنف وحماية المريض النفسي منه، وغالباً ما يتم هذا الأمر بالتقصي في حال الاشتباه بوجوده وذلك لصعوبة الحصول على المعلومة من بعض المرضى النفسيين الذين لا يستطيعون الإفصاح عن ذلك. وتعد لجنة الحماية من العنف والإيذاء بمجمع الأمل للصحة النفسية بالرياض من اللجان الفاعلة في التصدي للعنف الأسري الذي يتعرض له المرضى النفسيون من خلال العديد من الآليات والإجراءات الصارمة التي تهدف لتحقيق الحماية الكاملة من العنف وعدم تكراره مستقبلاً، ولتسليط الضوء على أعمال هذه اللجنة تستعرض "الرياض" عدداً من القصص كما التقت بمسؤولين في اللجنة وكان هذا التحقيق. حالات عديدة هناك العديد من الحالات التي تحضر لمجمع الأمل للصحة النفسية بالرياض ويشتبه في تعرضها لعنف جسدي أو نفسي من أحد أفراد أسرتها، حيث يتم عرضها على اللجنة التي بدورها تجتمع لبحث ودراسة وتقييم الحالة والتقصي عن العنف الذي تعرضت له، ثم تقوم اللجنة برفع توصياتها للفريق المعالج لاتخاذ الإجراءات الطبية والنفسية والاجتماعية اللازمة، ويتم الرفع بها لإدارة الحماية الاجتماعية بوزارة الشؤون الاجتماعية التي تقوم بدورها في مقابلة الحالة وإجراء اللازم بما يهدف إلى حماية المريض وعدم تكرار العنف. عائلة سلطت الأخت على شقيقتها المريضة لضربها والتخلص منها وسيطرة الزوجة على الأب عرّضت ابنته المريضة للعنف تسلط الأخت ومن الحالات التي تعرضت لعنف أسري مريضة نفسية تعرضت لعنف جسدي من إخوتها في أماكن متفرقة من جسدها وذلك لوجود مشاكل أسرية، حيث إنّ هناك تسلطاً من الأخت على المريضة وبتوصية من أخيها بسبب مرضها النفسي ولرغبتهم في التخلص منها، وفي نهاية المطاف أحضروها للمجمع لتحقيق هذا الهدف، حيث لاحظ الطبيب وجود آثار لكدمات في جسدها وقام برفع تقرير للجنة وعرض الحالة عليهم، وبعد الاجتماع والمناقشة أعدت التوصيات وأحيلت للفريق المعالج للقيام بها ولعدم وجود تعاون من الأسرة وبعد تقييم حالتها وتهربهم من مقابلة الطبيب؛ تم اتخاذ الإجراءات اللازمة وأحيلت أوراقها لإدارة الحماية الاجتماعية بالشؤون الاجتماعية لإلزام الأسرة بالتعاون مع الفريق وحماية المريض من الاعتداء. فتاة تبكي من شدة تعنيف اسرتها زوجة الأب وحالة أخرى تعرضت لعنف جسدي ونفسي بسبب ضرب وسوء معاملة زوجة الأب وبناتها لها، ولكبر سن والدها وسيطرة الزوجة عليه وعلى ابنته لم يستطع منع العنف عنها رغم شكواها له أحياناً ورؤيته لها تتعرض للعنف أحياناً أخرى، وعندما ساءت حالتها النفسية أحضرها والدها للمجمع وتم الكشف عليها بقسم الإسعاف والطوارئ وتم اكتشاف العنف ثم رفعت الحالة للجنة وبعد اتخاذ الإجراءات اللازمة وعمل التوصيات، وتقديم العلاج اللازم واستقرار الحالة، وقرر الفريق المعالج خروجها، وإلزام الأسرة باستلامها وعدم تكرار العنف وذلك عن طريق الجهات المختصة بسبب عدم تجاوب الأسرة مع مطالب الفريق، والتوجيه بمتابعة العلاج والمراجعة في العيادات الخارجية وعند كل مراجعة يتم التأكد من عدم تكرار تعرضها لأي عنف، وفي حال عدم الانتظام في مواعيد العيادات الخارجية تقوم الأخصائية الاجتماعية بالاتصال للتأكد من وضع الحالة التي سبق وأن تعرضت للعنف. العنف غير المقصود وقصة اخرى لشاب يعاني من الفصام، مورس العنف ضده في منطقة العين ورغم أنّ العنف لم يكن مقصوداً وإنما نتيجة مقاومة المريض لأسرته عند إحضاره للمجمع، وحيث إنّ ما تعرض له المريض النفسي يندرج تحت العنف الأسري -حتى وإن كان غير مقصود- تم رفع تقرير لإدارة الحماية الاجتماعية، وكان لتعاون الأسرة مع الفريق المعالج دور كبير في تحسن الحالة، وأجري لها الكشف اللازم على مكان الإصابة في أحد المستشفيات الرئيسة والتأكد من سلامتها، ووجه الفريق المعالج بخروجها، وأخذ إقرار على أسرته وتوجيههم بضرورة الحرص عند التعامل مع ابنهم المريض، وتوعيتهم في كيفية التعامل مع المرض النفسي. 25 حالة خلال عام من جانبه ذكر مدير الأقسام النفسية رئيس لجنة الحماية من العنف والإيذاء بمجمع الأمل للصحة النفسية بالرياض "د.رائد بن عبدالرحيم الغامدي" أنّ اللجنة استقبلت خلال العام الماضي 25 حالة عنف أسري وشملت الحالات نساء وأطفال ورجال وغلب على هذه الحالات التعرض للأذى الجسدي، وبعضها تعرض لعنف نفسي؛ إلا أنّ الأخيرة يكون اكتشافها أكثر صعوبة، مشيراً إلى أنّ اللجنة تستقبل جميع الحالات عند تعرضها للعنف من قبل أحد أفراد الأسرة، أما الحالات التي تعرض فيها المريض لأذى شديد أو التي تعرض فيها لأذى من غير أفراد أسرته فتعامل كحالة جنائية وتحال للجهات المختصة. المجمع يعمل على تنفيذ خدمة متقدمة في متابعة الحالات بشكل دوري أعضاء الفريق وبين رئيس اللجنة أنّ أعضاء الفريق مكون من مدير أقسام الصحة النفسية رئيسا للجنة ويتكون أعضاء الفريق من مدير خدمات التمريض واستشاري في علاج الإدمان وأخصائي نفسي وأخصائية نفسية وأخصائية اجتماعية منسقة للجنة، ويتلخص دور اللجنة في تقييم الحالة والاطلاع على التقرير المعد من قبل الطبيب المعالج ووضع خطة التدخل حسب الأصول المهنية، والتأكد من اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لضمان سلامة الحالة، وإجراء جميع الاختبارات والفحوصات اللازمة وحفظها حسب الطرق العلمية وبمنتهى السرية مع مراعاة الضوابط الخاصة بحفظ العينات والتقارير، والتواصل مع الجهات ذات العلاقة متمثلة في لجنة الحماية الاجتماعية والشرطة والإمارة وغيرها من الجهات المعنية، وإعداد تقرير عن الحالة وإرساله لفريق الحماية الاجتماعية بالمنطقة حسب النموذج المعتمد. بحث وتقصي من جانبها أوضحت منسقة لجنة الحماية من العنف والإيذاء بمجمع الأمل للصحة النفسية بالرياض الأخصائية الاجتماعية "أمل بنت أسامة الحواري" أنّ اللجنة اكتشفت حالات عنف وإيذاء أسري كان ضحيتها بعض المرضى النفسيين الذين راجعوا المجمع رغم عدم إفصاح المريض أو أحد أفراد أسرته عن هذا الاعتداء، وهو يعود إما لضعف التوعية أو لعدم وجود مرجعية لمتابعة هذه الحالات في الجهات الرسمية سابقا بالإضافة لعائق العيب الاجتماعي، وكذلك لطبيعة بعض الأمراض النفسية وأنها حالات مستضعفة ولا تستطيع التعبير عما تتعرض له بشكل واضح وصريح، مشيرة إلى أنه عند الاشتباه في تعرض أحد المرضى النفسيين للعنف الأسري جسديا أو نفسيا تقوم اللجنة بالتقصي والبحث عن أسباب آثار العنف الموجودة لدى المريض، ولأنّ اللجنة جهة تنسيقية وليست تنفيذية تقوم بالاجتماع ودراسة الحالة وتقييمها ومقابلة المريض وأسرته والتواصل معهم والرفع بتقرير متكامل والتوصيات للجهات المعنية لاتخاذ الإجراءات اللازمة في مثل هذه الحالات. خدمة متقدمة وأضافت: أنّ المجمع بصدد تنفيذ خدمة متقدمة تتمثل في متابعة هذه الحالات بشكل دوري للتأكد من عدم تكرار عملية العنف على الضحية، إضافة على المتابعة الخاصة لمثل هذه الحالات في العيادات الخارجية والتي تقوم بها اللجنة في الوقت الحالي، موضحةً أنّ بعض الحالات تحال للمستشفيات الرئيسة لإجراء الكشف الطبي عليها والتأكد من سلامتها وتضمين التحاليل والنتائج في تقرير اللجنة، وهناك حالات عرضت على اللجنة وبعد الكشف والتقصي يكتشف أنها ليست عنفاً مقصوداً وإنما ناتجة عن مقاومة المريض لأسرته عند إحضاره للمجمع، ويكون أثرها بسيط ومحدود ويتم الرفع بتقرير عنها لإدارة الحماية الاجتماعية ويوضح في التوصيات أنها غير مقصودة. طبيعة المرض وأشارت "الحواري" إلى أنّ اللجنة تخدم مرضى تختلف طبيعة مرضهم عن المرضى الذين يعانون عضوياً وأنّ أغلبهم مستضعفون غير قادرين على التعبير عما يتعرضون له، فيتم التقصي والبحث عند الاشتباه بتعرضهم للعنف والإيذاء، وعند اكتشاف ذلك تقوم اللجنة بحمايتهم، حيث يقوم الأطباء بقسم الإسعاف والطوارئ بالمجمع بتحويل جميع الحالات التي يكتشف أن لديها عنفاً أسرياً لدراستها وتقييمها من قبل اللجنة.