كشف تقرير خاص بالحماية الاجتماعية بمنطقة الرياض أن عدد حالات العنف الأسري وصلت إلى (508) حالات مسجلة خلال الفترة من 1428/1/1ه وحتى 1428/9/30ه،وتبلغ نسبة الذكور منها (56) حالة والإناث (452)، وأكدت الإحصائية أن أكثر الفئات العمرية المتعرضة للإيذاء ما بين ( 19- 35) سنة بنسبة 48% وأن الإيذاء الجسدي هو الأكثر، كما أن الأب هو أكثر من يستخدم العنف ضد المرأة وذلك بنسبة 29% يليه في المرتبة الثانية الزوج بنسبة 28%، وأشارت الإحصائية إلى أن أكثر الأسباب المؤدية للعنف هي تعاطي المخدرات بواقع (45) حالة والأمراض النفسية بواقع (27)، كما أوضح التقرير أن من خلال دراسة الحالات تبين أن إغفال خدمة الاستشارات الأسرية وعدم التوسع في مجالها ساهم في استفحال كثير من المشكلات الأسرية والمادية والمرضية مما أدى إلى وصولها لمراحل متقدمة من الإساءة في التعامل ما بين أفرادها ولتسليط الضوء على أبرز أسباب هذه المشكلة التقت "الرياض" بعدد من المختصين في هذا الجانب.. أسبابه حيث أوضح الدكتور محمد بن عبدالله الحربي مدير عام الإدارة العامة للحماية الاجتماعية بوزارة الشؤون الاجتماعية أن هناك أسباباً متعددة ومختلفة للعنف الأسري ولا يمكن اعتماد سبب رئيسي واحد ولكن هناك أسباباً نفسية كسرعة الغضب وعدم القدرة على ضبط النفس وهناك العادات الدخيلة على مجتمعنا كتأثير القنوات الفضائية والأفلام وألعاب السوني في جانبها السلبي، أيضا هناك عادات خاطئة ومتوارثة كأن تكون رجولة المرء وقوة شخصيته في مظاهر القوة والسيطرة والتحكم التام بأفراد الأسرة والمحيطين به، وهناك أسباب بيئية محيطة بالفرد يغلب عليها وعلى أفرادها سلوك العنف في المنزل والمدرسة والعمل والشارع، كما أن من أهم أسباب العنف إدمان المخدرات والمسكرات مما ينعكس سلبا على أفراد الأسرة . ويرى الدكتور مفلح القحطاني نائب رئيس الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان أن أسباب العنف الأسري متنوعة فهناك أسباب ذاتية: كأن يكون القائم بالعنف يعاني من اضطرابات نفسية أو تعاطي المسكرات والمخدرات، أو يكون لديه مرض عقلي، وهناك أسباب ثقافية وتربوية كتدني المستوى الثقافي والمستوى العلمي لأفراد الأسرة أو أسلوب التربية التي تبيح للذكر في بعض الأحيان التعدي بالضرب على الأنثى وتقبل المجتمع للضرب، وهذا إما لانخفاض المستوى الثقافي للمجتمع ككل أو الاستعانة بتفاسير خاطئة تبيح الضرب للزوجة أو الأبناء كأسلوب لتقويم السلوك، أيضا لا نغفل السبب الاقتصادي فضعف مستوى دخل رب الأسرة يكون له انعكاس على تعامله مع أسرته و أبنائه مما يؤدي إلى وقوع بعض النقاشات التي تتطور أحيانا إلى عنف . وتؤكد الأخصائية النفسية الأستاذة موضي الزهراني أن تعاطي المخدرات من أبرز الأسباب التي تؤدي إلى العنف الأسري، إضافة إلى الأمراض النفسية حيث أن كثيراً من الحالات العنيفة تعاني من شخص مريض غير مستقر نفسيا ولا يخضع للعلاج السلوكي أو الدوائي فيمارس شتى أنواع الضغوط النفسية على أقرب الناس له أو الإيذاء الجسدي ويراه من حقه وأن من يقع عليه الإيذاء يتقبل هذه الممارسة بدون اعتراض، أيضا اضطراب الشخصية وهذه بينها وبين المرض النفسي خيط رفيع لا يدركه إلا المقربون من الشخص نفسه، كما أن كثيراً من الحالات المعنفة تكون قد مرت بمشكلات أسرية مختلفة في شدتها ولكن لا يتم معالجتها منذ بدايتها، ويتم إهمالها لسنوات طويلة مما يؤدي لوصولها إلى مرحلة من الإيذاء الذي يحتاج إلى التدخل العاجل . خطورته وتضيف الأستاذة موضي الزهراني أن العنف مهما كان نوعه ودرجته له مخاطر كثير على الصحة النفسية والبدنية والعقلية خاصة في المحيط الأسري وما ينتج عنه من شخصيات عدائية وسلبية تشعر بالاضطهاد النفسي الذي قد تكرره مع جيل آخر، ويضيف د. محمد الحربي أن العنف الأسري يؤدي إلى إزهاق وتحطيم الروح المعنوية والنفسية للإنسان المتعرض لهذا السلوك المشين وسلب حقوقه الإنسانية في التعبير بكل حرية عن آرائه، مما يؤدي لتنامي شعور الحقد والكراهية والرغبة بالانتقام لدرجة القتل من الفرد المعنف أو من أحد أفراد أسرته المتعاطف معه، إضافة للآثار الجسدية التي تبقى فترة من الزمن فلا يتم نسيانها بسهولة من ذاكرة الضحية كالحروق والكدمات والكسور وغيرها، ويشير د. مفلح القحطاني أن العنف الأسري ظاهرة خطيرة حيث أنه يحدث في أكثر بيئة يفترض أن تكون هي مصدر الحماية والأمان للفرد، والأسرة هي نواة المجتمع فحالما تتصدع هذه النواة فإن ذلك يؤدي إلى تصدع المجتمع ككل،وبالتالي فلابد من دراسة أسباب العنف الأسري والعمل على معالجتها . انتشاره كما يضيف د. القحطاني أن ظاهرة العنف الأسري هي ظاهره عالمية تعاني منها جميع المجتمعات و منها المجتمع السعودي وهي تختلف من منطقة إلى أخرى، وقد يكون ما يصل إلى الجهات المختصة ووسائل الإعلام أقل بكثير مما يحدث في الواقع، بينما يرى د. الحربي أنها لم تصل إلى حد الظاهرة أو المقلقة أو الملفتة للنظر وهذا ما تدل عليه الإحصاءات السنوية المسجلة في الإدارة العامة للحماية الاجتماعية، وتؤكد أ.موضي الزهراني بأن نتائج التقرير الإحصائي الذي تم إعداده على منطقة الرياض أن نسبة الحالات مقارنة بالسكان لا تصل لمستوى الانتشار بل هي حالات قد تتكرر في أي مجتمع يعيش نقلة حضارية كبيرة وتغيرات اجتماعية متنوعة وتقلبات اقتصادية غير ثابتة ساهمت في ظهور هذه الحالات. خطر الطلاق يؤكد د. مفلح القحطاني أن تفشي الطلاق في المجتمع يكون غالبا نتيجة للعنف الأسري، ذلك بالتأكيد يؤدي إلى تفكك الأسرة مما يدفع ضريبته الأطفال الذين سوف ينشئون نشأه غير سليمة بسبب عدم احتواء كلا الوالدين لهم، وخوضهم لتجربه قاسية في مقتبل عمرهم ومن أقرب الناس إليهم، مما يعني جيل غير مستقر وغير صحيح نفسياً، بالإضافة إلى ما يترتب على الطلاق من خلافات قد تقع بين الأب والأم بسبب حضانة الأبناء ونفقتهم ورؤيتهم ...الخ . وتضيف أ. موضي أن التفكك الأسري يؤدي إلى حدوث صور من الإيذاء الواقع على الأطفال وبالذات عندما تفتقد الأسرة للبيئة الاجتماعية المتماسكة والمستوى الاقتصادي الثابت . ويشير د. الحربي أن التفكك الأسري والطلاق له خطورته وآثاره السلبية المعروفة وما يخلفه من انحرافات سلوكية ومشكلات نفسية للأبناء والبنات في مراحل مبكرة من حياتهم، كذلك الآثار الاقتصادية من جراء هذا التفكك الأسري فلا يجد بعض أفراد الأسرة من يعولهم دور المدرسة يرى د.الحربي أن دور المدرسة يتجلى في الجانب التوعوي والتثقيفي والإرشادي للطلاب والطالبات سواء في المناهج والمقررات الدراسية والنشاطات والبرامج الترويحية التي تعلم وتربي الجانب الأخلاقي والسلوكي الصحيح ولابد من التعاون المشترك بين المدرسة البيت بالتواصل المستمر وملاحظة أي تطور سلوكي سلبي للعنف أو غيره، ويضيف د. مفلح القحطاني أنه يجب أن يكون للمدرسة دور بارز في التوعية المجتمعية وتوجيه السلوك والحد من العنف الأسري بحيث يكون هناك توعية للطلبة بحقوقهم وبالانتهاكات التي ينبغي ألا يتعرضوا لها، وأن تتاح لهم الفرصة للتعبير عما في أنفسهم في هذا الشأن. و أيضا على المدرسة التأكد من عدم تعرض التلاميذ للعنف من قبل أسرهم حيث يتم تبليغ الجهات المختصة في حال اكتشاف ذلك، وحسنا فعلت وزارة التربية والتعليم بتشكيل بعض اللجان التي تعنى بهذا الموضوع، وتشير أ. موضي الزهراني أنه لابد من تفعيل دور الخدمة الاجتماعية المدرسية بالشكل المتوقع منها لكي تمارس المهام الإنسانية الموكلة إليها على أكمل وجه، وأن إهمال هذا الدور الحساس سبب تفاقم المشكلات السلوكية الرئيسية . التوعية به وعلاجه أكد د. مفلح أن التوعية بالعنف الأسري هي مسؤولية تقع على عاتق الجميع ابتداءً من المدرسة ومروراً بالأجهزة المعنية وانتهاءً بوسائل الإعلام ومؤسسات المجتمع المدني. والجمعية الوطنية لحقوق الإنسان تولي هذا الموضوع أهمية وهناك محاولات لتعميق التوعية بخطر العنف الأسري، وعلاجه يكون بالتوعية به والتحذير منه ودحض جميع الشبهات التي تقول بأن الإسلام يبيح ذلك أو يجيزه في أي حال من الأحوال، وعدم السكوت عنه، وإيجاد قوانين وأنظمة تردع المعتدي وتحمي الضحية . لاشك أن علاج العنف الأسري يحتاج إلى إيجاد نوع من التوازن بين معيارين، الأول حماية ضحية العنف وعقاب المعتدي، والثاني المحافظة على أن تبقى علاقة أفراد الأسرة فيما بينهم جيدة وطيبة لان الأسرة هي البيت الذي ينبغي أن يعيش فيه الجميع في ظل المحبة والتسامح والتكافل والعناية والاهتمام بالآخر. ويشير د. الحربي أنها مسئولية المجتمع ككل بداية من الأسرة في البيت والمدرسة ووسائل الإعلام المختلفة ومؤسسات المجتمع كافة الحكومية والخاصة وفي هذا الشأن تسعى الإدارة العامة للحماية الاجتماعية للتحضير والإعداد لتنفيذ حملة إعلامية توعوية شاملة في وسائل الإعلام المختلفة للتعريف والتثقيف بالآثار السلبية للعنف الأسري . وتضيف أ. موضي أن تكاتف جميع الجهات الاجتماعية والصحية والتعليمية مع الجهات الأمنية سيساهم في تقليل أثر المشكلة على المتوقع تعرضهم للعنف، أيضا على وسائل الإعلام أن لا يقتصر دورها على تقصي القصص المأساوية ونشرها فقط بل لابد من التوعية وعدم التشكيك بقرارات الجهات المعنية بهذا الأمر بل تشجيعها وإبراز الجهود الإيجابية التي تساهم بها في معالجة العنف الأسري .