** تنقّلت خلال أسبوع كامل بين عدد من المساجد في الحي الذي أسكنه أو المنطقة التي أعمل بها.. ** وفي كل مرة كنت أواجَه بنفس المشكلة التي كانت تدفعني للتنقل بين هذه المساجد.. وتلك المشكلة هي إطالة الإمام سواء في القراءة باختيار طوال السور ولاسيما في صلوات المغرب.. والعشاء والفجر التي تعتمد على (الجهر) بالقراءة.. وكذلك إطالة بعضهم في الركوع والسجود إطالة كبيرة.. ** وكنتُ في كل مرة أجد رغبة في نفسي في الجلوس وإكمال الصلاة على هذا النحو.. نتيجة وجود مشكلات (مبرحة) في ظهري تحول دون قدرتي على الوقوف طويلاً.. وكذلك على (الانحناء) بهدف الركوع أو السجود لفترات طويلة.. ** وفي كل مرة كنت أحس بآلام غيري من المصلين الذين يمرون بظروف صحية من نوع أو آخر.. ويعانون - كما أعاني- من الوقوف .. أو الركوع والسجود طويلاً.. ** وفي كل مرة كنت أهم بالتقدم من الإمام وملاطفته والحديث معه (بمودة) عن الحالة الصحية التي أعاني منها ويعاني منها أمثالي من المصلين.. و(أتوسل) إليه أن يشفق بنا.. ويرأف بصحتنا.. ويفكر في كل حالة مشابهة لما نعاني منه أنا وأمثالي من الكبار.. والمرضى.. ** لكنني كنت أستبعد الفكرة من رأسي.. وأستبدلها بالبحث عن إمام آخر.. في مسجد آخر.. أكثر رأفة بالمصلين.. وعوناً للمسنين والمرضى منهم على أداء صلواتهم جماعة ودون مشقة.. ** غير أن أكثر هؤلاء الأئمة بدا لي وكأنه يستمتع بصوته.. وبطريقته في التلاوة الجهرية.. ولا أريد القول بأنه يستمتع بتعذيب الشيوخ.. والمرضى وغير القادرين للوقوف طويلاً.. ومتابعة قراءة طوال السور في وقت كوقت صلاة المغرب المحدود والقصير.. ** وأخيراً اضطررت لاستخدام الكرسي الثابت لأداء فروضي كما يفعل الكثيرون من أمثالي.. لأسباب مختلفة.. ** ففي أحد المساجد التي مررت بها.. ألفيت أكثر من شاب وفي أعمار متفاوتة يستخدم الكرسي الذي يستخدمه شيخ مثلي وأدركت أن المشكلة ليست مشكلة (سن) وليست مشكلة شباب وشيوخ.. وإنما هي مشكلة غياب الإحساس لدى بعض الأئمة وليس كلهم بحالة هذا المصلي.. وعدم افتراض أن من بين الموجودين بمسجده من لايستطيع أن يقف طويلاً.. أو يركع طويلاً.. أو يسجد طويلاً أيضاً.. ** والحقيقة أن الإنسان يستمتع بتلاوة كتاب الله.. وبسماع أدائه من خلال أصوات (رخيمة) و(جميلة) و(متمكنة).. وإن كان ذلك نادراً أيضاً لكن المساجد وجدت لكي تجمع الناس في صلواتهم.. وتؤلف بين قلوبهم.. وتزيد من المودة فيما بينهم ولاسيما حين ينطلقون إلى وجهاتهم المختلفة بعد الصلاة وقد أكرمهم الله بأدائها.. وتعرف بعضهم على البعض الآخر.. وترك اللقاء في نفوس الجميع إحساساً بالراحة وبالإقبال على المسجد.. ** لكن ما يحدث في بعض مساجدنا.. لا يساعد على ذلك.. لأن ثقافة الإحساس بالمصلين .. وتهيئة الأسباب المؤدية إلى استقطاب الناس إلى المساجد يشوبها بعض الخلل أو القصور أو العفوية في التصرف.. أقول العفوية.. لأن ما يحدث لايعدو أن يكون سلوكاً تلقائياً.. وربما يكون أيضاً بهدف طلب الأجر والمثوبة من الإطالة في القراءة أو الركوع أو السجود.. فيسهو الإنسان عن بقية الأمور الأخرى.. بما فيها أحوال بعض المصلين وظروفهم الصحية.. ** وعلى أي حال.. فإن لهؤلاء الأئمة الأفاضل منا كل الشكر.. والامتنان وجزاهم الله عنا خيراً.. وإن كنت أتمنى على وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد أن تتدخل للتوفيق بين مبدأ حصول الأجر.. وبين مراعاة ظروف المسنين والمرضى من أمثالي.. جزاهم الله جميعاً عنا خير الجزاء. *** ضمير مستتر: **(بعض الاجتهاد.. يؤدي إلى المشقة.. وبعضه يقود إلى سوء الظن).