وفقاً لهذه الجريدة(= الرياض), فقد" طالب ديوان المراقبة العامة, خلال اللقاء الذي جمع ممثليه باللجنة المالية في مجلس الشورى, منحه الاستقلال الإداري والمالي أسوة بأجهزة الرقابة المالية والمحاسبة في الدول المتقدمة والعديد من الدول العربية, وبما يتناسب مع توجه الدولة القوي نحو الإصلاح الشامل, حتى لا يكون الديوان تحت تأثير ونفوذ بعض الأجهزة التنفيذية المشمولة برقابته". يشير مفهوم الاستقلال الإداري إلى ذلك «الوضع الذي تتمكن فيه أجهزة الرقابة المالية من القيام بما أوكل إليها من مهام رقابية بعيداً عن أي مسلك قانوني, قد تتمكن من خلاله الجهات المشمولة برقابتها, من التدخل في عملها, أو التأثير عليه بأي شكل من الأشكال, ومهما كان شكل أو حجم ذلك التدخل» وقبل مناقشة هذا الموضوع, لا بد من الإشارة إلى أهمية منح جهاز/أجهزة الرقابة المالية الاستقلال بمفهومه الشامل, لكي تؤدي واجباتها على الوجه الأكمل. هذه الأهمية نجدها في ما جاءت به "المبادئ الأساسية العالمية للرقابة المالية", والمعروفة ب"إعلان ليما". فقد نصت تلك المبادئ تحت بند:(ثانيا: استقلال الهيئات العليا للرقابة المالية),على التوصيات التالية: 1 إن الهيئات العليا للرقابة المالية يمكنها أن تقوم باختصاصاتها بصورة موضوعية وفعالة، إذا كانت مستقلة عن الجهات الخاضعة لرقابتها, وكانت تتمتع بالحماية ضد النفوذ الخارج عنها. 2 رغم أن الهيئات التابعة للدولة عادة لا يمكن أن تتمتع باستقلال مطلق, لأنها جزء من الدولة, إلا أن هيئات الرقابة المالية العليا يجب أن يتوفر لها الاستقلال الوظيفي والتنظيمي كي تتمكن من القيام بأعمالها واختصاصاتها. 3 يجب أن ينص دستور الدولة على إنشاء الهيئة العليا للرقابة المالية فيها، وعلى الدرجة الضرورية من الاستقلال اللازم لها. أما تفصيلات ذلك فتترك إلى القانون. بالإضافة إلى ذلك, نصّ هذا القسم على" ضرورة تقرير حماية تشريعية ملائمة لهذا الاستقلال توجب الرجوع إلى محكمة عليا للطعن في أي تدخل يتضمن المساس باستقلال الهيئات العليا للرقابة المالية واختصاصاتها الرقابية". ويتفرع الاستقلال الكامل أو الشامل إلى ثلاثة أقسام, هي: 1 الاستقلال الإداري. 2 الاستقلال العضوي. 3 الاستقلال المالي. ويشتمل كل قسم من هذه الأقسام على عدة عناصر,هي بمثابة المعايير التي يشير توفرها كاملة إلى تمتع جهاز/أجهزة الرقابة المالية باستقلال كامل في القسم المعني. وبالمثل, فإن عدم توفرها, أو بعضها, يشير من جانب آخر إلى عدم استقلال تلك الأجهزة فيما يتعلق بمعايير هذا القسم, أو ضعف استقلالها فيه. أما توفر المعايير كاملة داخل الأقسام الثلاثة, فذلك يعني أن الجهاز الرقابي المعني يتمتع بإلاستقلالية الكاملة المطلوبة في مقابل الأجهزة التنفيذية التي تراقب أعمالها. يشير مفهوم الاستقلال الإداري إلى ذلك "الوضع الذي تتمكن فيه أجهزة الرقابة المالية من القيام بما أوكل إليها من مهام رقابية بعيداً عن أي مسلك قانوني, قد تتمكن من خلاله الجهات المشمولة برقابتها, من التدخل في عملها, أو التأثير عليه بأي شكل من الأشكال, ومهما كان شكل أو حجم ذلك التدخل". وفقا لهذا التعريف المبسط, يمكن النظر إلى مفهوم الاستقلال الإداري من زاوية مدى ما توفره الدساتير, أو الأنظمة واللوائح الصادرة من الإرادة السياسية العليا, من ضمانات كافية لأجهزة الرقابة المالية تستطيع, بما توفره لها من قوة دفع قانونية, أن تراقب مدى مشروعية كافة التصرفات المالية للأجهزة المشمولة برقابتها بحرية كاملة وشفافية عالية بعيداً عن أي تأثير تقوم به الأجهزة التنفيذية المشمولة برقابتها, مهما كان حجم ذلك التأثير, أو أثره. وتتمثل معايير الاستقلال الإداري في العناصر التالية: أولا: النص, في دستور الدولة أو في نظامها الأساسي, على وجود نظام رقابة مالية عليا. ثانيا: مدى الاستقلال الوظيفي لأجهزة الرقابة المالية عن الجهات الخاضعة لرقابتها(= مرجعية رؤساء الأجهزة الرقابية للسلطة السياسية العليا). ثالثا: هامش الحرية المعطى لأجهزة الرقابة المالية في الاطلاع على وثائق الجهات الخاضعة لرقابتها. رابعا: حرية أجهزة الرقابة المالية في وضع الأنظمة والقوانين واللوائح الداخلية. خامسا: حرية أجهزة الرقابة المالية في إعداد التقارير. كما يشير مفهوم الاستقلال العضوي إلى ذلك المجال الذي "تتولى فيه الأجهزة الرقابية شؤون الأفراد التابعين لها: من تعيين, وترقية, ونقل, وتدريب, وتأديب, وإنهاء خدمة". ويتمثل استقلال أجهزة الرقابة في هذه الأمور بأن تأخذ الصفة الرسمية لها بمجرد صدور قراراتها من الرئيس الأعلى لجهاز الرقابة المالية. و تتمثل معايير هذا القسم في العناصر التالية: أولاً: الآلية التي يعين بواسطتها الرئيس الأعلى لجهاز الرقابة المالية في منصبه, أويعفى منه. ثانيا: استقلال أجهزة الرقابة المالية فيما يتعلق بالشؤون الوظيفية لأفرادها. أما مفهوم الإستقلال المالي فيشير إلى ذلك الوضع القانوني الذي" تتوفر فيه للأجهزة الرقابية سلطة كاملة في (إعداد) ميزانياتها واعتمادها مباشرة من السلطة العليا بدون أي تدخل من السلطة التنفيذية, و(تنفيذ) تلك الميزانيات بنفسها, و(مراقبة) تنفيذها(= الميزانيات) بنفسها". وتتمثل معايير هذا القسم في العناصر التالية: أولا: الاستقلال في مجال إعداد الميزانية. ثانيا: الاستقلال في مجال تنفيذ بنود الميزانية. ثالثا:الاستقلال في مجال مراقبة تنفيذ الميزانية. والسؤال المهم هنا هو: هل تتمتع أجهزة الرقابة المالية في المملكة, خاصة منها الجهازان الرئيسيان المسؤولان عن مراقبة المصروفات والإيرادات العامة للدولة: وزارة المالية, وديوان المراقبة العامة, بالاستقلال الكامل:إدارياً وعضوياً وماليا؟ يمكن القول بصفة عامة, إن الأنظمة واللوائح التنفيذية التي تنظم عمل الرقابة المالية في المملكة توفر قدراً جيداً من الاستقلال في أقسام الاستقلال الثلاثة, ما عدا ما يتعلق بالعنصر الثاني من عناصر الاستقلال العضوي وهو: "استقلال أجهزة الرقابة المالية فيما يتعلق بالشؤون الوظيفية لأفراده", وكذلك ما يتعلق بالاستقلال المالي كاملاً, وخصوصاً بالنسبة للديوان, إذا اعتبرنا وزارة المالية مستقلة في العنصرين الأولين من عناصر الاستقلال المالي. وفي رأيي أن هذين المظهرين من مظاهر عدم الاستقلال:( = العنصر الثاني من عناصر الاستقلال العضوي, والاستقلال المالي كاملا), هما ما عناه مندوبو الديوان حين طالبوا باستقلال الديوان "إدارياً" ومالياً. وللموضوع صلة.