هناك مشاكل تحدث لبعض قائدي المركبات ولا يستطيعون تفسير سلوك الشخص الآخر (قائد السيارة) الذي بدر منه هذا السلوك الغريب. سلوك قد يقود إلى حادثٍ مروّع قد يذهب ضحيته أشخاص أبرياء كل ذنبهم أنهم وجدوا في طريق ذلك الشخص المتهور. أحياناً يُفاجأ المرء بأن سائق السيارة التي خلفه مُتعجلاً في سيره و يرغب أن يتخاطاه ولكن ليس هناك فرصة ومساحةً يستطيع الشخص الذي يقود سيارته بصورةٍ عادية أن يسمح لمن خلفه مُتعجلاً لكي ينفذ بشكلٍ سليم. المشكلة أنك لا تستطيع أن تعلم هل الشخص الذي يقود سيارته خلفك شخص طبيعي أم أنه يُعاني من اضطراب نفسي أو عقلي. ليس ذلك أمراً غريباً بل إن الاشخاص الذين يُعانون من اضطرابات نفسية أو عقلية كثيرون، ففي كل مجتمع هناك نسبة كبيرة من الأشخاص الذين يُعانون من اضطرابات نفسية و عقلية تختلف حدة هذه الاضطرابات من أمور بسيطة جداً لا تحتاج إلى أي تدخّل من قِبل أشخاص مختصين ويصل الأمر إلى أمراض واضطرابات صعبة تحتاج إلى تدخّل وعلاج بشكلٍ جاد. ليس كل شخص يعلم أنه مُصاب بمرض أو اضطراب نفسي أوعقلي، فأغلب المرضى الذين يُعانون من اضطرابات وأمراض نفسية وعقلية لا يعلمون بأنهم يعانون من اضطرابات نفسية أوعقلية. هنا تكمن الخطورة، لأن الأشخاص الذين يُعانون من اضطرابات نفسية أوعقلية صعبة لا يقبلون الذهاب إلى الأطباء النفسيين، ويرفضون الاعتراف بأنهم مرضى نفسيون. هناك عشرات الآلاف من المرضى النفسيين والعقليين يتجولون في الشوارع طليقين يتجولون بسياراتهم والتي قد تحمل خطورة كبيرة على الآخرين. كان هناك زميل سوداني جاء للعمل في الرياض، وعندما رأى المرضى النفسيين المنومين في المستشفى يحضرون إلى المستشفى بسياراتهم استغرب ذلك كثيراً، كيف يكون مرضى يتعاطون أدويتهم المهدئة والمخدرة أحيانا ًويقودون سياراتهم في الذهاب خارج المستشفى ويعودون مرةً آخرى إلى المستشفى ، فيستغرب كيف لا يُمنعون من قيادة السيارات تحت تأثير الأدوية النفسية؟. هذه فعلاً مشكلة حقيقية تواجه المجتمع بشكلٍ ملحوظ. هناك حوادث مرورية كثيرة لا يمكن تفسيرها إلا بعدم عقلانية السائق بحكم مرضه النفسي أو العقلي!. في بعض الأحيان تقود سيارتك بكل هدوء، وفجأة يظهر عليك شخص يقود سيارته بتهور وتستغرب كيفية قيادته لسيارته بهذه الطريقة. أحياناً يقوم البعض بالاحتجاج على سوء قيادة بعض هؤلاء الأشخاص المتهورين و الذين يكونون تحت وطأة مرض أو اضطراب نفسي أو عقلي، فيفاجئ بأمرٍ لا يتوقعه.. في حادث مؤسف كان شخص يُعاني من مرض الفُصام يسير خلف سيارة تقف عند المنعطف الأيمن عند اشارة المرور، وحاول المريض الفُصامي أن يتجاوز السيارة التي أمامه، ولكن الشخص الذي أمامه رفض الحركة لأنه لا يريد أن ينعطف إلى اليمين بل يريد السير إلى الأمام، ماكان من المريض إلا أن نزل من سيارته وتوجه إلى السيارة التي تقف أمامه وطلب منه أن يتحرك ولكن سائق السيارة طلب من المريض أن ينتظر دقائق، فما كان من المريض إلا أن أخرج سلاحاً نارياً واطلق النار على سائق السيارة الأخرى وأرداه قتيلاً!. هذه قصة حقيقية وقعت قبل سنوات وذهب ضحيتها رجل لم يكن يعلم بأنه يمكن لمريض فُصامي بأن يقود سيارة في وسط الشارع، وربما لم يكن يعرف ماذا يعني مرض الفُصام!. إن من المشاكل الكثيرة التي تواجهنا كأطباء نفسيين هو إقناع المرضى النفسيين الذين يستخدمون أدوية مهدئة أو مخدرة أو تجلب النعُاس بعدم قيادة السيارات، لكن جهودنا دائماً لاتنجح للآسف. ليس بالضرورة أن تكون هذه الأدوية مهدئة ومخدرة حتى تؤثر على قيادة المرء للسيارة، فجميع الدراسات أثبتت أن مضادات الاكتئاب التي لا تُسبب خمولاً قد تؤدي إلى بطء ردة الفعل عند السائق لوقتٍ قصير، وهذا قد يقود إلى حوادث نظراً لبطء ردة فعل السائق الذي يتناول هذه الأدوية والتي تعتبر غير مخدرة ولا مهدئة، فكيف عندما يكون الشخص يستخدم أدوية مهدئة و مخدرة؟. إن قيادة المرضى النفسيين للمركبات أمرٌ فيه الكثير من الخطورة على أرواح المرضى أنفسهم وحياة الآخرين الذين قد يتسبب المرضى النفسيين والعقليين بإصابتهم بعاهات تجعلهم معوّقين أو تقتلهم في هذه الحوادث المرورية الخطيرة. وقد نشر قبل فترة أحد الكتاّب مقالاً في جريدة الرياض أشار فيه إلى أن سائقاً تعّرض للطعن من قِبل شخص مضطرب بسبب تافه لا يستحق كل هذه المشاكل، ولكن المرض أو الاضطراب النفسي الذي جعل هذا الشخض يرتكب مثل هذه الجريمة البشعة. إن كثيراً من الدول تمنع أن يقود المريض النفسي والذي يتناول أدوية نفسية من قيادة السيارات، خاصة المرضى الذين يُعانون من اضطرابات نفسية أو عقلية شديدة مثل الفُصام أو الاضطراب الوجداني ثُنائي القطب وأحياناً حتى بعض مرضى الاكتئاب الذين يتناولون أدوية مضادة للاكتئاب تؤثر على تركيز المريض وقدرته على السيطرة عند الحاجة للتوقف. ليس هذا فحسب ولكن الأشخاص الذين يُعانون أيضاً من اضطرابات القلق المختلفة ، مثل اضطرابات الهلع، وقد قال لي شخص يُعاني من اضطراب الهلع بأنه أحياناً يصُاب بنوبات هلع أثناء قيادته لسيارته ولا يعرف ماذا يفعل وسط الطريق و يحاول بقدر ما يستطيع أن يخرج من الطريق ليقف على جانب الطريق وهذه أوقعته مرات كثيرة في مشاكل مرورية!. الأشخاص الذين يُعانون من الرُهاب الاجتماعي، والذين يُعانون من مشاكل وقلق مرتفع جداً عندما يكونون تحت أنظار الآخرين، فبعضهم يشعر بصعوبة في قيادة السيارة نظراً لأنهم قد يكونون تحت أنظار الآخرين وهذا يجعلهم لا يُركّزون بصورة جيدة في قيادتهم لعرباتهم. هناك نوع من انواع الرهاب يُسمى الرُهاب المحدد مثل الخوف من قيادة السيارة ، وفي هذا النوع من الرُهاب يُعاني الشخص مشكلة في قيادته للسيارة بدون أسباب واضحة، وهؤلاء السائقون قد يتسببون في حوادث كثيرة، وبعضهم قد يمتنع عن قيادة السيارة وأعتقد أن هذا هو أفضل ما يفعلونه. الأشخاص الذين يُعانون من اضطراب الساح وهو الخوف من البعد عن المنزل، فهؤلاء الأشخاص قد يُعانون من اضطراب قلق وتوتر شديد يمنعهم من التركيز أثناء قيادة السيارات و ربما تسببوا في حوادث، ولكن كثيراً من هؤلاء الأشخاص الذين يُعانون من اضطراب رُهاب الساح أيضاً يمتنعون عن قيادة سياراتهم وهذا أفضل لهم. كل هؤلاء الاشخاص قد لا يستطيعون قيادة السيارة بصورةٍ جيدة ، نظراً للظروف النفسية التي يُعانون منها، والتي قد تجعلهم يشعروب بالارتباك عندما يقعون في ظرف سيء أثناء القيادة مما يفقدهم السيطرة على السيارة وبالتالي تقود إلى حوادث قد تكون بشعة و يذهب ضحية هذه الحوادث أرواح وأصابات لعدد ليس يسيراً ممن يكونون على متن هذه السيارات. إننا في بلدٍ يُعاني من كثرة الحوادث المرورية، بل إننا من أكثر بلدان العالم في الحوادث المرورية، بالطبع ليس المرضى النفسيين أو العقليين هم سبب جميع هذه الحوادث المرورية ولكن هناك خطراً كبيراً من عدم التقيد بالنظام المروري بشكل كبير، خاصةً من قبل المراهقين الذين يقودون السيارات بشكلٍ متهور، لذا فإن كثيراً من ضحايا الحوادث المرورية هم من المراهقين الذين قد يُصابون بعاهات تجعلهم معوّقين، ونرى كثيراً من الشباب في سنٍ مبكرة حبيسي غرف التأهيل في المراكز التأهيلية والمستشفيات نتيجة أصاباتهم بإصابات نتيجة هذه الحوادث. إذا كانت أرقام الأممالمتحدة تقول بأن حوالي 20 إلى30% من سكان الكرة الأرضية يُعانون من اضطراباً ما من الاضطرابات النفسية أو العقلية، فعلى المرء أن يتخيّل كم من المرضى النفسيين والأشخاص المضطربين نفسياً وعقلياً يقودون سيارات تسير في الشوارع كأنما هي أدوات قتل تسير بانتظار أن تصطدم بسيارات آخرى تسير بشكلٍ هادئ لا يعلم قائدوها بأن هناك سيارات تسير في الطرقات وهي عبارة عن أدوات قتل متنقلة. ما أقوله ليس مبالغات ولكن حقيقة الأرقام للحوادث المرورية في بلادنا تدعم هذه النظريات والتي تقولها كثير من الدراسات العالمية في موضوع الحوادث المرورية. لا يوجد قانون يمنع من يُعاني من اضطرابات نفسية أو عقلية من قيادة السيارات، بل إن مرضى الصرع لا يوجد هناك منع لقيادتهم للسيارات وهم يُشكّلون خطورة حقيقية على أنفسهم وعلى الأخرين، ومع ذلك لا توجد قوانين تمنع مرضى الصرع من قيادة السيارات، لأن مريض الصرع قد يُصاب بنوبة صرع أثناء قيادته للسيارة فيتسبب في حادث قد يقود إلى وفاة أشخاص أو جعلهم معوّقين. خلاف كل ما ذكرنا من الاضطرابات والأمراض النفسية والعقلية فإن هناك أشخاصاً عاديين يقودون سياراتهم بتهور مما يقود إلى حوادث مرورية مروّعة. نعم هؤلاء الأشخاص لا يُعانون من اضطرابات نفسية أوعقلية ولكن لديهم إهمالاً للأنظمة والقوانين وعدم معرفة آثار تهورهم في قيادتهم للمركبات. التهوّر في قيادة السيارات أمرٌ في غاية الخطورة والذين يُجازفون في قيادة سياراتهم بإهمال ويعُرضون حياتهم وحياة الآخرين للخطر، قد لا يكونون مرضى نفسيين ولكنهم في بعض الأحيان يكونون أكثر خطورةً من المرضى النفسيين. هناك أمر أكثر خطورةً وهو أن يكون مثلاً قائد طائرة مصُاب باكتئاب وينوي الانتحار ويقوم بالانتحار ولكن ليس لوحده، بل قتل معه جميع ركاّب الطائرة، وهذه قصة حقيقية، عندما قام طياّر بقيادة طائرته لتصطدم بجبل فقتل نفسه وقتل جميع من كان معه في الطائرة!. هذه الحادثة جعلت شركات الطيران تُفكّر كثيراً في الحالة النفسية لمن يقودون الطائرات، ويقومون بفحص نفسي بشكلٍ دوري على الطياّرين حتى لا تتكرر مأساة آخرى يذهب ضحيتها المئات من الأبرياء. قيادة أي وسيلة نقل تحتاج إلى وعي وصحة نفسية جيدة، سواء كانت سيارة صغيرة أو كبيرة أو طائرة، لذلك يجب ألا نُسلّم وسائل النقل هذه إلى أشخاص غير أسوياء أو متهورين. يعرضون الآخرين للخطر قيادة المرضى النفسيين للمركبات أمرٌ فيه الكثير من الخطورة