أعتقد بأنني من الأوائل الذين استخدموا جهاز الآيفون في المملكة العربية السعودية إن لم أكن أول كاتب سعودي يستخدمه. دفعني لامتلاكه في اليوم الأول للإعلان عنه خبرتي مع منتجات شركة أبل الأمريكية. خصوصا ماكنتوش بلس الذي غيرني بمقدار ما غيّر العالم. حادثة واحدة بدلت أصول اللعبة الإعلامية في داخلي إلى الأبد. كنت أنتظر ابني أمام إحدى البقالات في الرياض. تلقيت رسالة sms من صديق في لندن. نصحني الصديق أن أقرأ مقالا في إحدى الصحف المحلية. فتحت السفاري. نزلت الجريدة. قرأت المقال. اتصلت بالصديق. ناقشنا الموضوع. حدث هذا في دقائق. قد تبدو هذه الحادثة صغيرة وتافهة اليوم. لكنها نقطة عبور من عالم إلى عالم آخر في الإعلام والصحافة والمعرفة. هذه الحادثة لايمكن ان تحدث قبل عشر سنوات. ولا حتى في خيالاتنا آنذاك. إذا فككنا هذه الحادثة الصغيرة التي حدثت في دقائق في إطار سلوكنا الكتابي اليوم سنجد أننا نختنق في مستطيل ضيق اسمه الزاوية. ما حدث في هذه الدقائق يحتاج إلى أيام لكي يحدث في الأزمنة الماضية. في الحقيقة لن يحدث أبدا. الحادثة جاءت عرضا. المقال لم يكن خطيراً أو مهماً لكي أتحمس وأذهب في اليوم التالي إلى أرشيف الجريدة ثم أتصل بالصديق وأناقشه معه. القضية تتصل بالسواليف اليومية فقط. ككاتب أدواتي اليوم لم تعد ورقة وقلما. الجهاز الذي في جيبي وجيب الجميع أداة كبرى لإنتاج معرفة مختلفة جذريا عن المعرفة التي ننتجها بالوسائل القديمة التقليدية والتي مازلنا سجناءها مع الأسف. أستطيع أن أنتقل من الكتابة بالقلم إلى الكتابة بالآيفون، كما انتقلنا للكتابة بمعالج الكلمات في الثمانينيات من القرن الماضي. صوت وصورة ومراجع. يمكن أن تكون الزاوية الصحفية مجلة صغيرة متكاملة. دون مبالغة أستطيع أن أحول زاويتي المسجونة في الكلمات إلى قناة معرفية متكاملة تتحدث بكل لغات المعرفة المعاصرة. تكون قدرتي على الكتابة جزءا من المقال حتى صورتي المحبوبة من الجميع ستتخلص من سأم الجمود. يستطيع القارئ أن يشاهدني ويشاهد المكان الذي أكتب فيه أو أكتب عنه والأشياء التي أتحدث عنها. تتحول الزاوية من مقال للرأي إلى مركز للمعرفة. الموضوع المنشور في هكذا زاوية لا يموت بمجرد نشره. تضيف وجهات نظر القراء من خلال التعليقات إلى منظور الكاتب. مثلما الخبر يتطور كل ساعة يمكن للزاوية أن تتطور أيضا. نفس الزاوية يمكن أن أعيد كتابتها أكثر من مرة. كلنا تمنى في يوم من الأيام أن يُجري بعض التعديلات على المقال أو أن يضيف إليه بعد نشره. يمكن أن تتجه الزاوية إلى منافسة المدونات على أن تكون قابلة للنزول على الورق. الجزء الكتابي يكون محورها. يجب أن يتغير مفهوم كلمة كاتب, أو على الأقل أن تسمح الصحف بظهور كتاب المستقبل. نحن اليوم نقف داخل المستقبل ولكننا نعجز عن أن نجلس فيه بسلام.