إن مسألة أمن الخليج قضية مطروحة منذ السبعينيات كونها تتميز بعامليْ النفط والموقع الاستراتيجي، وهي المنطقة الملتهبة والتي شهدت ثلاث حروب مدمرة طوال العقدين، ولذا من الطبيعي أن يقلق الخليجيون على أمنهم واستقرارهم ومستقبل أجيالهم، من يتأمل بعض الحوارات العربية ، يشعر حقيقةً بالاستغراب والدهشة وربما الضحك مما يطرح من آراء قد لا تتوافق مع الواقع، ومنها ما سمعته من بعض الزملاء والمثقفين المصريين واللبنانيين في ندوة حول إيران وعلاقتها بدول الخليج، حيث انتهى بعضهم إلى القول بأن هناك ثمة مبالغة بشأن الخطر الإيراني، وان الخطر يتمثل فقط في وجود إسرائيل. وان الخليجيين هم من يتحمل المسؤولية في عدم التواصل مع الإيرانيين. غير أنني مضطراً هنا أن أقول: (لقد هرمنا...لقد هرمنا) ونحن نستمع لهذه المقولات واجترارها من البعض الذين لا يعون حقيقة الوضع، ويحاولون خلط الأوراق . صحيح أن إسرائيل تمثل خطرا دائما منذ احتلالها لأرض فلسطين، إلا أن هذا لا يعني انه لا يوجد خطر إيراني مهدد لدول وشعوب دول الخليج، بدليل تلك الأحداث والمواقف التي تشير لحقيقة الخطر الإيراني بلا أدنى تزييف. فهذا الجنرال حسن فيروز بادي رئيس أركان الجيش الإيراني وعضو في المجلس الأعلى للأمن القومي، خرج علينا بتصريحات مسيئة وغير مقبولة تجاه الأنظمة الحاكمة في الخليج متهما إياها بأنها دكتاتورية، وأنها جبهة معادية لإيران، ووصلت به الصفاقة للقول بأن هذه المنطقة كانت دائما ملكاً لإيران، وان هنالك مؤامرة خليجية لتشكيل هوية لها على حساب الهوية الإيرانية. في حين أن قائد الباسيج يؤكد بأنه تم إرسال سفينة للدفاع عن شعب البحرين. وهنا نتساءل بصراحة هل مثل هذه التصريحات الاستفزازية وما سبقها من آراء ومواقف لمسؤولين آخرين، تساهم في استقرار المنطقة، وتفتح بابا للتهدئة والحوار الايجابي؟ على أن سياسة دول الخليج كانت ولا زالت ضد التأزيم ، بدليل أنها لم تفتعل أزمات لأنه ليس لها مصلحة في ذلك، بل هي من مدت يدها لإيران، فالخليجيون قد اعتادوا على سياسة النفس الطويل وعدم تصعيد اللهجة مع إيران، بدليل انه في معظم القمم الخليجية نلحظ أن بياناتها تنزع نحو اللغة الهادئة في الدعوة للحوار وتكتفي بالإشارة للاحتلال الإيراني للجزر الثلاث الإماراتية، والمطالبة بأن تكون المنطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل، فهي لم تر ضرورة للضغط على إيران، على الأقل في السنوات الماضية، لأنها كانت تأمل في أن تتفهم إيران الرسالة، وتبادر لحل القضايا المعلقة معها، وأن لا تضع الخيارات الأمنية والعسكرية في سلم أولوياتها على حساب استحقاقات داخلية مطلوبة. غير أن السلوك الإيراني استمر في التشدد والتصعيد، بل وتجاهل الخطوات الايجابية التي أبداها الخليجيون، ولم يعرْها اهتماما. ومن يقرأ الصحافة الإيرانية على سبيل المثال في عهد احمدي نجاد، يلمس عودة نبرة (نظرية تصدير الثورة) وكان قد أكدها محمود احمدي نجاد بقوله: (ان الجمهورية الإسلامية هي حاملة لواء الإسلام الحقيقي والمبشر العالمي به) وقال: (إن على إيران مسؤولية كبيرة ومهمة لتكوين مجتمع إسلامي من شأنه أن يمثل نموذجا في العالم). غير أن الذروة بلغت في الأشهر الأخيرة، عندما انكشفت حقيقة تصرفات طهران في المضي في مشروعها التوسعي والتخريبي، والذي قد يجر المنطقة إلى حروب أو إلى دخول مرحلة عدم الاستقرار الأمني والسياسي. واتضح أن زرع الخلايا التجسسية كما في الكويت والبحرين، بقيام عملاء بممارسة نشاطات التجسس والتخريب كان بهدف زعزعة الأمن وبث الروح الانهزامية وهز الجبهة الداخلية في دول الخليج ، وبالتالي تحويل الأنظار عن أوضاعها ومشاكلها الداخلية. إن وجود هذه الخلايا هو تأكيد لفلسفة سياستها الخارجية التي تستند إلى مفهوم التدخل في شؤون الدول الأخرى عبر حركات وأحزاب وعناصر، والتي تدين لها بالولاء والطاعة إما بسبب المرجعية المذهبية أو المصلحة المادية. على أي حال، يبدو أن هذا التصعيد لاسيما في البحرين دفع بالخليجيين، قبل أسابيع إلى تغيير منهجية تعاطيهم مع طهران، بدليل بيانهم الأخير من التدخل الإيراني؛ حيث استند إلى الصراحة والمباشرة ومخاطبة مجلس الأمن بالتدخل واتخاذ ما يلزم من إجراءات لإيقاف الاستفزازات والتهديدات الإيرانية السافرة. وهذه قراءة تحمل بكل تأكيد قدرا كبيرا من الشعور بالمسؤولية ووعيا حقيقيا بحجم التحديات وخطورة الأوضاع التي تواجهها. على أن من يقرأ التاريخ، يلحظ أن علاقة العرب بإيران، فيها عادة شيء من التوجس والرغبة في التوسع منذ اندماج الفرس بالصفويين، ولعل ما دفع دول المنطقة إلى تحالفات عسكرية مع الغرب هو نتيجة التهديدات الإيرانية في الثمانينيات فضلا عن الفارق في القدرات العسكرية والبشرية بينها وبين إيران. ومع ذلك كان من الطبيعي أن يفكر مجلس التعاون الخليجي في تطوير وإصلاح هيكليته ونظامه، فالظرف الإقليمي يتطلب تغييره جذرياً، لأنه بآلياته وأدواته الحالية لم يعد يلبي متطلبات المرحلة. ولعل هذا المناخ ربما دفع دول الخليج لقراءة جديدة للواقع السياسي لاسيما بعد التطورات الأخيرة واختلال المشهد السياسي وتداعيات ما سمي بالربيع العربي، فتوجه المجلس لضم الأردن والمغرب وإن كان محل دراسة، إلا انه يمكن قراءته في هذا السياق على انه بُعد استراتيجي يسعى لتشكيل كتلة لها ثقل سياسي وتكامل اقتصادي وتعاون امني وعسكري، لاسيما أنها تسير على خط سياسي واحد وأنظمة حكم متشابهة، ما يجعل هذه المنظومة قادرة على تفعيل سياسات دفاعية وأمنية لمواجهة التحديات والمخاطر المحدقة بها. صفوة القول ، إن هنالك شعورا عاما في الوقت الحاضر, يصور إيران بوصفها خطرا جديا على الأمن الإقليمي والدولي. وإن كان من حق إيران أن تبحث عن مصالحها، مثلها مثل أي دولة، لكن ما نشاهده على الأرض أنها تبحث عن مصالحها من خلال الإضرار بأمن واستقرار الدول الأخرى، وهنا يكمن الخلل. إن مسألة أمن الخليج قضية مطروحة منذ السبعينيات كونها تتميز بعامليْ النفط والموقع الاستراتيجي، وهي المنطقة الملتهبة والتي شهدت ثلاث حروب مدمرة طوال العقدين، ولذا من الطبيعي أن يقلق الخليجيون على أمنهم واستقرارهم ومستقبل أجيالهم، كون موازين القوى قد اختلت في المنطقة، متزامنة مع تصعيد إيراني بات يثير حفيظة العالم فما بالك بدول الجوار. وبعد ذلك كله نتساءل: هل مازالت هناك مبالغة حول التدخلات الإيرانية،أم ثبت أن للخليجيين كل الحق، في أن يعيدوا النظر في مجلسهم وينشئوا محورا فاعلا يحفظ أمنهم ومكتسباتهم واستقرارهم ويقف سدا منيعا أمام المشروع الإيراني؟!