نشرت جريدة «الرياض» في عددها الصادر يوم الاثنين 6/6/1432ه مقالاً للكاتب فهد بن عامر الأحمدي بعنوان: «لماذا يتجاوز الزمن بعض الفتاوى» هكذا كأن الفتاوى الشرعية عند الكاتب تدور مع الزمن لا مع الكتاب والسنّة، ولا على السبب الذي بنيت عليه الفتوى، ولم يعلم أن الفتوى حكم شرعي يدور مع الدليل، ومع علته وجوداً وعدما، ولاتزال فتاوى الصحابة والتابعين والأئمة ثروة علمية تنتفع بها الأجيال اللاحقة، ولذلك رصدت في المراجع العلمية مع أدلتها وعللها التي بنيت عليها، أما الفتاوى التي لا مستند لها من الشريعة فلا يلتفت إليها؛ لأنها أقوال رجال لا مستند لها، وقد تكون صادرة من متعالمين ليسوا من أهل الفتوى. قال الكاتب: فهذه الأيام مثلاً لم نعد نسمع عمن يحرم الراديو والتلفزيون والتصوير والانترنت والقنوات الفضائية وجوال الكمرتين. والجواب: أولاً: التصوير إذا كان لذوات الأرواح فهو محرم بالأدلة الصحيحة من السنّة النبوية مثل حديث لعن المصورين وأنهم أشد الناس عذاباً يوم القيام، وأن المصور يعذب يوم القيامة بكل صورة صورها في الدنيا، ويقال له من باب التعجيز له والتوبيخ والتعذيب: أحيي ما خلقت ولايزال العلماء يحرمون ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم من التصوير ولا يستثنون من التصوير إلا ما دعت إليه الضرورة، لقوله تعالى: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه) (الأنعام 119). ثانياً: وأما الراديو والتلفزيون والقنوات الفضائية وجوال الكمرتين كما قلت فهذه الأشياء بحسب ما يلقى فيها لأنها مجرد آلات فإن كل ما يلقى فيها خير فلا مانع أن يستفاد ما فيها من الخير، وإن كان ما يلقى فيها شراً فإنه يحرم النظر فيها واستعمالها لما فيها من الشر لا لذاتها بل لما فيها. ثالثاً: سكوت العلماء عن هذه الأشياء كما زعم الكاتب لا يعد تراجعاً عن الفتوى فيها بعد ما بينت الفتاوى فيها ورصدت في كتب الفتاوى للرجوع إليها عند الحاجة. ومازال العلماء ينهون عما يبث في هذه الوسائل من مفاسد ويذكرون بالفتاوى الصادرة في شأنها، لكن ربما ان الكاتب لا يسمع إليهم، أو لا يقرأ لهم فهذا حاله هو وشأنه ولا يحكم على غيره. ثم قال الكاتب: فمنذ سنوات قليلة مثلاً هناك من يحرم البنطلون والتلفزيون وتعلم اللغة الانجليزية وركوب حمار إبليس (البسكليت) واليوم تلاشت هذه الفتاوى بل وانتقلت إلى دائرة المباح وكذلك تحريم زواج المعلمات من السائقين وعدم استعمال المرأة للانترنت إلا بوجود محرم يدرك عهر المرأة ومكرها. والجواب: عن ذلك أن نقول للكاتب عليك أن تبرز هذه الفتاوى بنصها وتبين من صدرت عنه أما مجرد الرمي بالجراف والتقول على العلماء فهو غير مقبول، ثم قال الكاتب واصفاً تلك الفتاوى بأنها خليط من الظنون والآراء والدوافع الشخصية التي تتجاوز النصوص الشرعية نحو قواعد فقهية فضفاضة كسد الذرائع والأخذ بالأحوط وعدم التشبه بالكفار وبينهما أمور مشتبهات إلخ.. ونقول للكاتب سد الذرائع جاءت النصوص به في الكتاب والسنة وأحيلك إلى ما ذكره الإمام ابن القيم من ذلك في كتابيه: إغاثة اللهفان وإعلام الموقعين. فقد ذكر - رحمه الله - لهذه القاعدة تسعة وتسعين مثالاً بأدلتها من الكتاب والسنّة. وأما الأخذ بالأحوط فهو قاعدة شرعية مأخوذة من قول النبي صلى الله عليه وسلم: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك» وقوله: «فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه ألا وإن لكل ملك حمى ألا وان حمى الله محارمه». وأما منع التشبه بالكفار فهو صادر عن الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: «من تشبه بقوم فهو منهم» وقوله: «ليس منا من تشبه بغيرنا» فمن نزل هذه الأحكام على مواقعها فهو على حق ويعتبر عاملاً بالأدلة وليس ذلك مجرد ظنون كما قاله الكاتب، وليس خليطاً من الظنون والآراء والدوافع الشخصية التي تتجاوز النصوص الشرعية كما زعم، بل هي مركزة على الأدلة الشرعية. ثم قال الكاتب: ومن جهة أخرى يجب أن ندرك (نحن العامة) أن هناك فرقاً بين التشريع والفقه، فالتشريع انتهى بوفاة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ولم يعد من حق أحد بعده تحريم شيء لم يذكر في القرآن والسنّة. أما الفقه فهو إعمال العقل في هذه النصوص؛ لتوضيح أحكامها وما يتفرع منها ويترتب عليها. وأقول: الفقه كما عرفه الأصوليون (أي علماء أصول الفقه) لا الأصوليون بالمصطلح المعاصر لدى الصحفيين، فعلماء الأصول يقولون: الفقه هو استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية فهو لا يستنبط بواسطة العقل كما يقول الكاتب بل بواسطة قواعد الاستنباط المعروفة في علم الأصول. والفقه: لغة الفهم فهو فهم من كتاب الله يؤتيه من يشاء ممن أراد به خيراً كما قال النبي صلى الله عليه وسلم «من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين» فالفقه ليس تشريعاً وإنما هو فهم التشريع من الأدلة. ثم قال الكاتب: وليس أدل على حتمية الاختلاف في الجانب الفقهي من تلاشي بعض الفتاوى القديمة وتراجع أصحابها عنها حين يتبنون الأفضل والأرجح منها، فعلماء مشهود لهم مثل ابن باز وابن عثيمين - رحمهما الله - تراجعوا أو استدركوا بعض فتاويهم القديمة في شجاعة نادرة نفقدها هذه الأيام إلى آخر ما قال. نقول له: أولاً: قولك تلاشي الفتاوى القديمة وتراجع أصحابها عنها حين يتبين الأفضل والأرجح منها، نقول ليس رجوع من يرجع عن بعض فتواه من أجل قدمها وإنما رجوعه عنها لأنه تبين له بالنظر والاجتهاد المتجدد ما هو أقرب منها إلى الدليل، وابرأ للذمة وليس رجوعه عنها إبطالاً لها وإنما ذلك لتجدد الاجتهاد وتوفر المعلومات كما قال عمر رضي الله عنه في فتواه في مسألة فرضية على خلاف ما قضى به سابقاً ذاك على ما قضينا وهذا على ما نقتضي. وليس هذا تلاشياً للفتوى السابقة كما يقول الكاتب بل القول بها باق لمن ترجحت لديه. ثانياً: قولك ان ابن باز وابن عثيمين تراجعوا واستدركوا بعض فتاواهم القديمة نريد منك إيراد أمثلة على هذا التراجع الذي زعمته. وأظن الكاتب يحاول في كتبه التخلص من الفتاوى التي لا تتلاءم مع أذواق بعض الناس، بدليل قوله في الختام. وبعكس الفتاوى الظنية لا تحتاج الفتاوى الأصيلة لقرارات رسمية تفرض قبولها أو تؤكد شرعيتها، وأترك للقارئ معرفة ما تنم عنه هذه العبارة، فقد يريد ما تصدره الجهات الرسمية المعتمدة للفتوى وما تصدره من قرارات وفتاوى. وختاماً أذكر الكاتب وغيره بالاقتصار على مجال تخصصهم وعدم دخولهم فيما لا يحسنون، كما أذكرهم بقرارات خادم الحرمين الشريفين بمنع التدخل في الأحكام الشرعية، واحترام العلم والعلماء، ومحاسبة من لم يلتزم ذلك والله الموفق. * عضو هيئة كبار العلماء