الأنظمة أو القوانين هي القواعد العامة المجردة التي تنظم علاقة أي دولة بمواطنيها أو علاقتها مع الدول الأخرى، أو علاقة المواطنين فيما بينهم. ولدينا في المملكة - بفضل الله - تعتبر أحكام الشريعة الإسلامية هي المرجع والحاكم على جميع أنظمة الدولة بما فيها النظام الأساسي للحكم . ويندرج تحت هذه المظلة السامقة عدد كبير من الأنظمة واللوائح المتنوعة في شتى المجالات ، والتي تشهد باستمرار حركة تطور ومراجعة وإصدار أنظمة جديدة كلما اقتضت الحاجة لشيء من ذلك . ومن واقع خبرتي ومشاركاتي المتواضعة في بعض لجان صياغة الأنظمة أو تعديلها اطلعتُ عن كثب على آلية صياغة الأنظمة وصناعتها ، والمراحل التي تمر بها قبل إقرارها بصورة نهائية . ومن خلال هذه التجربة كان لي ملاحظات ووقفات حول هذه الآلية التي أعتقد - ومن وجهة نظري الشخصية - أنها تحتاج إلى بعض التعديل وإعادة النظر لرفع مستواها وزيادة جودتها وفعاليتها . وبدايةً لا يفوتني التنويه بالدور الرائد الجليل الذي تقوم به هيئة الخبراء في مجلس الوزراء في تحضير مشروعات الأنظمة ، وإعداد الدراسات اللازمة لها والإشراف على اللجان التي تشكل من قبل الجهات ذات العلاقة لهذا الغرض ، وذلك بما لدى الهيئة من خبرات هائلة وكفاءات عالية . بدايةً لا يفوتني التنويه بالدور الرائد الجليل الذي تقوم به هيئة الخبراء في مجلس الوزراء في تحضير مشروعات الأنظمة ، وإعداد الدراسات اللازمة لها والإشراف على اللجان التي تشكل من قبل الجهات ذات العلاقة لهذا الغرض ، وذلك بما لدى الهيئة من خبرات هائلة وكفاءات عالية أما عن آلية صناعة الأنظمة فإنه في المراحل الأولى لصياغة وصناعة أي نظام ، تُشكلُ لجنة مكونة من ممثلين عن الجهات الحكومية ذات العلاقة التي يمسها النظام ، فتعقد هذه اللجنة اجتماعاتها في هيئة الخبراء، وتناقش المشروع المقترح لذلك النظام وتعطي ملاحظاتها حوله ، إلى أن تنتهي هذه اللجان إلى إعداد محاضر بما توصلت إليه من نتائج ، وترفع مشروع النظام بعد الاتفاق على صيغته الأخيرة إلى مجلس الوزراء ليحال بعد ذلك إلى مجلس الشورى ويطرح للتصويت عليه . وهذه المرحلة من مراحل صناعة الأنظمة تعتبر هي الأساس، وأعتقد أنها تحتاج إلى إعادة نظر وتقييم ، وذلك لخطورة وأهمية العمل الذي تقوم به . ولعل من أبرز الملاحظات على هذه المرحلة أن اللجنة التي تتولى هذا العمل التحضيري التأسيسي لمشروع النظام تكون مشكلة من عدة جهات حكومية بحيث ترسل كل جهة مندوباً واحداً أو أكثر حسب الحاجة، ويجتمع هؤلاء المشاركون يتداولون الرأي ويطرحون أفكارهم وملاحظاتهم حول مشروع النظام المعروض عليهم إلى أن ينتهوا إلى مشروع نظام يتوافقون عليه ، وما من شك أن هذا الأسلوب يحتاج لوقفة مراجعة لعدة أسباب أهمها : أن اعتبار رأي فرد واحد معبراً عن الجهة التي انتدبته لتمثيلها في تلك اللجنة قد لا يكون مناسباً، ولا موافقاً للمصلحة ، فهذا المندوب قد ينطلق في إبداء رأيه - وهذا الغالب - من قناعاته الشخصية ، ونظرته الفردية التي قد تكون ضيقة للموضوع المطروح للنقاش ، ويخضع رأيه أيضاً لمستوى تأهيله وخبرته ومدى تمكنه من الموضوع، واستيعابه لكافة جوانبه ، وما من شك أن الناس متفاوتون في ذلك كثيراً ، فمنهم الكفء ومنهم دون ذلك ، فهل يستقيم أن يكون رأي فرد واحد معبراً عن جهة حكومية قد تكون وزارة من كبرى الوزارات التي تزخر بالكفاءات والمؤهلين من الموظفين؟! وأنا هنا أتحدث من واقع تجربة عشتها خلال تمثيل ديوان المظالم في أعمال بعض هذه اللجان ، إذ وجدتُ نفسي أمتلك الحرية التامة والسلطة المطلقة في طرح ما أراه من أفكار، وفي الموافقة أو الرفض لما عُرض علي من مقترحات ومشاريع نصوص لمواد نظامية ، ولم يكن هناك ما يُلزمني بالرجوع إلى الجهة التي انتدبتني للتشاور معها والخروج منها برأي ٍ يصح أن يقال : إنه رأي ديوان المظالم لا وجهة نظر محمد الجذلاني !. علاوة على ذلك ففي اجتماعات تلك اللجان يحدث أن ترى جدلاً بين أعضاء اللجنة الذين يحاول فريق منهم إقناع فريق آخر بوجهة نظره ، ويطالبونه بإلحاح أن يتفق معهم على ما يرونه من رأي ، وقد يحدث أن يتمسك بعض أعضاء اللجنة برأيه الذي يراه باقي الأعضاء غير وجيه ، فيجادلونه ويبذلون المساعي لإقناعه بالموافقة ، حتى يخيل إلى من يراهم على هذه الحالة أنهم في أحد مكاتب الصلح التابعة للمحكمة، وأن هذه خصومة يسعى الحاضرون لحلها ودياً ! ولا يخفى أن أهمية وخطورة صناعة هذه الأنظمة وما سيكون لها من آثار على تنظيم شؤون الناس وحقوقهم تفرض أن يتم ذلك عبر عمل مؤسسي محكم بعيداً عن الأساليب الفردية المتبعة حالياً . والأدهى من ذلك والأمرّ أن بعض الأنظمة يشارك في مناقشتها وصياغتها جهات حكومية قد تكون علاقتها بها غير مباشرة ، ولا تملك فيها التخصص الكافي ، ولا المعرفة والدراية بخباياها ، ومن ذلك مثلاً نظام القضاء، أو نظام المرافعات الشرعية الذي شارك في صياغته ممثلون عن هيئة الاستثمار ووزارة التجارة ووزارة المالية ونحوها من وزارات ، فهل يمكن أن نتصور أن خبرة ودراية قاض بنصوص نظام القضاء والمرافعات ، مثل خبرة موظف في وزارة التجارة ؟ وعلى فرض وجود بعض الجوانب والمواد النظامية في ذلك النظام لها علاقة بتلك الوزارات ؛ لماذا لا يقتصر تصويت ممثل الوزارة على المواد النظامية ذات الصلة المباشرة بوزارته ومجال تخصصها ؟ ولهذه الملاحظات وغيرها أعتقد أن من الأقرب للمصلحة ، والأكثر جدوى ، أن تتولى هيئة الخبراء مرحلة صياغة النظام واقتراح مشروعه بالكامل ، وذلك بعد أن تطلب الهيئة من الجهات الحكومية ما لديها من ملاحظات واحتياجات ومقترحات ، ثم تتولى الهيئة معالجة ما يردها من الجهات الحكومية ومراجعته وصياغته بعد أن يكون لديها التصور التام عنه ، دون الحاجة إلى عقد تلك الاجتماعات التي لا كبير جدوى من ورائها . وهيئة الخبراء مؤهلة تماماً للقيام بذلك خير قيام بعد أن تنال الدعم الكامل بالوسائل المعينة المادية والبشرية . كما أتمنى لو أن كل وزارة أو جهة حكومية حين تدلي بمقترحاتها وملاحظاتها على أي نظام يُعرض عليها ، أن يكون ذلك عبر آلية جماعية لا فردية ، فيتم عرض الموضوع على عدد كاف من المستشارين والموظفين الأكفاء المؤهلين لدى تلك الجهة، ويطلَب منهم آراؤهم ومقترحاتهم التي يقدمونها من واقع تجربتهم وما يواجهونه من إشكالات في واقع العمل ، ليخرج الرأي من تلك الوزارة أكثر شمولية ونضجاً، وتكون جميع أعمالنا مؤسسية لا فردية.. وما توفيقي إلا بالله هو سبحانه حسبي ونعم الوكيل.. *القاضي السابق في ديوان المظالم والمحامي حالياً