قبل سنوات ، جاءت إلى عيادتي مريضة شابة، تشكو اكتئابا وعصبية وسرعة استثارة للغضب ، والعجيب أني اكتشفت من خلال كلامي معها ومع زوجها ، انها تسببت على نفسها بهذه الامراض من خلال عبثها بالادوية من دون استشارة للطبيب !!.. ابتدأت قصتها حينما كانت قبل سنتين تشتكي أرقا طويلا وتقطعا في النوم ، وعندما كانت مع صديقاتها في العمل صادف ان احداهن كانت تتحدث عن معاناتها مع صداع الشقيقة المزمن ، وانها استطاعت ان تتغلب على هذا الصداع عن طريق طبيب الاعصاب الذي استطاع ان يقنعها بتناول أحد ادوية (داء الصرع) المعروفة ، والذي من ضمن فوائده التجريبية نجاحه في التغلب على نوبات الصداع النصفي ،(مقابل الآثار الجانبية كالخمول والتيبس والكسل والخدر والتعرق وجفاف الفم والغثيان والكوابيس والنسيان والمشاعر السلبية وغير ذلك ) ، وكانت صاحبتها تتحدث عن سقوطها نائمة بالساعات فور تناولها لهذه الحبة !!. ويبدو أن الأمر قد راق كثيرا لصاحبتنا ، فتحينت ساعة فراغ وخلوة وأسرت الى صديقتها بما تعانيه من أرق وتقطع في النوم ، ولأننا شعوب تحب الإفتاء والتعالم ، فقد نصحتها صاحبتنا بهذه الحبة السحرية، وفعلا ذهبت إلى الصيدلي والذي صرف لها بكل سرور ( دواء نفسيا خطيرا ) لكونه يتلاعب بكيميائية الدماغ وكهربائه ويتحكم في نشاط النواقل العصبية ، لقد صرفه لها دون سؤال ودون رقيب ولا حسيب كأنه يبيع قطعة شوكولاتة أو مشروبا باردا ، والعجيب أن صاحبتنا كانت تعاني كثيرا من النتائج السلبية الاولية لهذا الدواء ولكنها تحملت كل شيء مقابل ذلك النوم والسقوط كالجثة الهامدة بالساعات الطوال ، وعندما احست بالتشبع ، قررت ان تتوقف عن تناول حبة الصرع فجأة دون تدرج في الانسحاب ، فانتكست حالتها النفسية ، واصيبت بالقلق والعصبية والتحسس ، وذهبت لبعض الاطباء الذين بالغوا كثيرا في صرف الأدوية النفسية ، والتي مازادتها إلا كآبة وتعبا ..!! مالكم في الطويلة ، أنا أريد أن أقف هنا كثيرا مع مثل هذا الاستهتار الطفولي بصحة العقل والنفس !!.. وان أقف اكثر مع هذه الادوية التي ماهي الا سموم قد نضطر اليها اضطرارا وليست كريمات تجميل او حبة اسبرين نتناولها اليوم وندعها في الغد ومفعولها لا يدوم الا بضع ساعات ثم يتم تصريفها من الجسم .. إنها حبوب لا يستخدمها إلا المبتلون وليس ترفا او دلعا ، إنها كيمياء تعمل على المدى الطويل وتتعب الكبد والكلى ، والانسحاب منها يحتاج إلى فترة زمنية متدرجة حتى لا يصدم الجسم بفقدان ماتعود عليه من دعم خارجي !!.. ليتنا نفهم ونفهم شبابنا بأن التساهل بمثل هذه المتحكمات بكيميائية وكهربائية الدماغ، ربما أفسدت عليهم حياتهم ودمرت سعادتهم واستقرارهم النفسي مدى العمر ، وليت بعض أطبائنا ايضا يتعقلون كثيرا، فيقدرون للأمر قدره، فالكلام ذو غصة عن هذا الأمر، ولكننا في النهاية نلتقي على دروب الخير..