قال الشاعر والكاتب المسرحي، أوسكار وايلد، انه يصعب تدريس كل الامور الهامة والقيمة التي ينبغي على الانسان معرفتها. هذه المقولة لا يجب ان تؤخذ على محمل الجد، نظرا لأن هذا الشاعر والمفكر كان من اذكى الطلاب في مدرسته في دبلن وكذلك في جامعة أكسفورد. أما بالنسبة لي فقد بدأت حياتي تتشكل مع بداية المرحلة الجامعية – أولا في جامعة اكستر ومن ثم جامعة أكسفورد. حينها أدركت أن المعرفة لا تكتسب من التعليم فقط، بل من التفكير أيضا. وأذكر في ذلك الوقت أنني عملت جاهدا على رسالتي الأولى وكان موضوعها "الدراما في عصر شكسبير" وأدرجت بها كافة الحقائق التي وجدتها عن ذلك الموضوع، إلا أن المشرف على الرسالة منحني علامة متدنية جدا، معللا ذلك بأنه يمكنه إيجاد كافة الأمور التي ذكرتها من المكتبة، وانه كان يريد معرفة وجهة نظري الشخصية حول الموضوع، وليس قدرتي على تقصي الحقائق. احتفلت العديد من الفعاليات الثقافية بفكرة الدراسة الجامعية، كما ان مفهوم "دار الحكمة" كان قد تأصل في قلب الحضارة الإسلامية وعصرها الذهبي. فلقد حث الإمام أحمد بن حنبل على طلب العلم في مقولته المأثورة "اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد"، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث انه "من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع". ولذلك فإنه ليس من المستغرب أن تجد أحد أهم وأعظم انجازات المملكة العربية السعودية يتمثل في الجهود التي تبذل من اجل تطوير التعليم والتوسع في الجامعات لخدمة الطلاب والطالبات في المملكة العربية السعودية. وإنني أحيي الاهتمام و الحرص الذي يبديه خادم الحرمين الشريفين، الملك عبد الله بن عبد العزيز، في هذا القطاع. وبصفتي السفير البريطاني لدى المملكة العربية السعودية، فإنني فخور بالروابط العديدة التي تجمع بين المملكتين في مجال التعليم العالي. كما انني أستمتع دائما بالاستماع إلى السعوديين الذين يتحدثون بلهفة عن الأوقات التي أمضوها في المدارس والجامعات البريطانية، وكذلك عن الصداقات التي كونوها و احتفظوا بها منذ تلك المرحلة في حياتهم. كما سعدت في مطلع هذا الاسبوع بحضور حفل افتتاح المعرض والمؤتمر الدولي الثاني للتعليم العالي، الذي أقيم في مركز الرياض الدولي للمؤتمرات والمعارض، والترحيب بمعالي وزير التعليم العالي، الدكتور خالد العنقري، في القسم البريطاني من المعرض. وكانت المملكة المتحدة صاحبة اكبر وفد في هذا المعرض ، ممثلة ب 62 جامعة بريطانية. وهذا يعكس حقيقة أن هناك 16,000 طالبا سعوديا يدرسون حاليا في المملكة المتحدة، معظمهم من خلال برنامج الملك عبد الله للمنح الدراسية. وأثناء حديثي مع ممثلي الجامعات البريطانية في المعرض، استمعت إلى العديد من ردود الفعل الإيجابية عن مساهمات الطلاب السعوديين هناك وعن رغبة الجامعات البريطانية في الترحيب بمزيد من الطلاب. وإنني لا أستغرب ذلك. فإن كلا البلدين يقدران أهمية التعليم ويدركان أن العيش والازدهار في عالمنا الحاضر يتطلب ليس فقط الالتزام بالعلم ولكن ايضا بالتميز، وذلك يتطلب أنظمة سياسية تصب اهتمامها في تطوير المعرفة والمهارات لدى مجتمعاتها وتستغل المواهب البارزة والأفضل فيها. ونظرا لأن اللغة الإنجليزية باتت لغة عالمية، فإنني أعتقد أن قضاء فترة للدراسة في المملكة المتحدة قد يساعد في تطوير المهارات اللغوية التي تتيح للطلبة السعوديين الفرصة ليجدوا مكانهم الذي يستحقونه في هذا العالم المترابط. ومنذ وصولي إلى المملكة العربية السعودية في شهر سبتمبر الماضي، شعرت بالفخر تجاه الجهود المبذولة من قبل المجلس الثقافي البريطاني في تعليم اللغة الانجليزية. فلقد ازداد مؤخرا عدد السعوديين الذين يدرسون اللغة الإنجليزية في مراكز المجلس التعليمية في جميع أرجاء المملكة، حيث بلغ نحو 15,000 طالب في العام الماضي. هذا لايعني مطلقا التغاضي عن الثقافة واللغة العربية، فكما أوضحت مسبقا، إن العالم الإسلامي يلعب دورا رئيسيا في الحفاظ على ارث الماضي، كما يلعب دورا محوريا في التمهيد لمستقبلٍ مليء بالعلم و المعرفة. كما وجدت شخصيا أن تزامن المعرض الدولي للتعليم العالي مع احتفالات الجنادرية الوطني جد مناسب – ذلك الاحتفال الرائع بالثقافة السعودية التي تنمو وتتطور لتواجه تحديات العصر الحديث. أخيرا، أود أن أبعث أطيب تمنياتي لجميع الطلاب السعوديين الذين يدرسون في المملكة المتحدة، آمل أن يجدوا في دراستهم ما يساعدهم في حياتهم ومستقبلهم المهني وأن يتمكنوا من بناء صداقات تدوم إلى الأبد مع أبناء شعبي. * السفير البريطاني لدى الرياض