محمد صادق دياب، ذلك المبدع الإنسان، صاحب القلب الأبيض والروح الشفافة، دقت ساعة رحيله على جدران قلوب محبيه مرتين، مرة حين سافر للعلاج من مرضه العضال، ومرة بعد رحيله القاسي الذي ودعناه فيه الوداع الأخير، ليترك في قلوبنا الحسرة المرة على فراقه، ونحن نتذكر ذلك الشهم الحجازي الذي عشق جدة بأحيائها وحاراتها، وأبدع في حكاياته وقصصه في حاراتها والناس الطيبين الذين هم من نفس فصيل أريحيته وطيبته وإنسانيته. لم اختلف معه قط، وما أحببت إنساناً بقدر حبي له، كنت أحد كتّاب ملحق أربعاء (المدينة) الملازمين، عندما كان عمدته وصانع إشراقته، اختلافنا الوحيد حين نشرت في الأربعاء مقالاً انتقدت فيه قصص احدى الكاتبات التي أثيرت حولها ضجة، لإباحية ما كتبت، وكانت أول كاتبة تكشف المستور وتعبر بلا مواربة عن صور ومواقف فيها العيب والجنس، لنساء على خط الاستواء، وكنت أول من كتب عن كتاب الكاتبة. وكان محمد صادق دياب متحمساً لكتابتها، وكانت له رؤيته، وعرفت نبله وإنسانيته، احترمت رأيه، وتمسكت برأيي. كان رحمه الله (الجنتل) بعمامته، النبيل بخلقه وأصالته، لم تدم عضويته للنادي الذي طالما تمنينا انضمامه إليه كأحد أبناء جدة ومن أدبائها وصحفييها المحبين لمدينتهم، وانضم لمجلس إدارة نادي جدة الأدبي، واستقال بعد فترة لم تدم طويلاً لظروف عمله، وظروفه الصحية. حقق في ابداعه وما كتب ما أراد أن يكون به وفياً لمدينته، كتب عن المفردات العامية، وتاريخ الحياة الاجتماعية في جدة، وحكاية من حارات جدة حين بدأت في إعداد حلقات المسلسل التلفزيوني (قصة من الأدب السعودي) اخترت من قصصه قصة حكاية على وجه القمر من مجموعته (ساعة الحائط تدق مرتين)، قصة فيها الحب والشفافية والإحساس الصادق، حكاية حب حدثت على سطح أحد البيوت في حارة البحر بعد أن انقطع تيار الكهرباء. وتناجى مع حبيبته على ضوء القمر، أعتبر هذه الحلقة التي تضمنت قصته من أجمل قصص المسلسل، حكايات الدياب كنفسه الشفافة الصادقة تعبر عن داخله وعن البيئة التي نشأ فيها، لذلك كان محمد صادق دياب - رحمه الله - القاص الفنان بقصصه وحكاياته، التي عبر فيها بصدق وسلاسة وشفافية عن بيئته وحارته، وهو في الحقيقة يعبر عن ذاته. ختم الأديب المبدع الراحل مشوار إبداعه الحافل بروايته (مقام حجاز) ليضع بصمته الروائية ويرحل.