مع انطلاقة الإنترنت انطلقت الموسوعة الحرة العالمية "ويكيبيديا" والتي كانت مغامرةً في وقتها من حيث الفكرة، واستمرت خلال العشر سنوات الماضية حتى أصبحت أكبر موسوعة عالمية متعددة اللغات، وقد تمثلت المغامرة في إطلاق هذا المشروع في منح الثقة للمستخدمين والزوار بأن يقوموا بإضافة أو تعديل أو حذف المحتوى فيها وبكل سهولة وبدون أي قيود. هذه المغامرة المحسوبة جاءت في وقت كان المستخدمون جدداً على عالم الإنترنت في عام 2001م، ليلمسوا عن كثب معاني الحرية لزوار الموقع من خلال العبارة التي وضعها صاحب الويكيبيديا في الواجهة الرئيسة للموقع وهي "الموسوعة الحرة التي يستطيع الجميع تحريرها"، وبهذه الخطوة غير المسبوقة على شبكة الإنترنت؛ استوعبت الويكيبيديا الكثير من المساهمين من كافة الأعمار والتوجهات والثقافات والاهتمامات، لتعطيهم في الوقت نفسه صلاحية كاملة في تعديل أي صفحة بنقرة واحدة وصلاحية في الإضافة في أي جزء من الموقع. لا شك في أنها مغامرة بكل معنى الكلمة ومن عدة أوجه من بينها احتمالية واردة في أن من بين المستخدمين من سيكون من المخربين، وفي أي لحظة قد يحذفون المحتوى أو يضيفون محتوى غير لائق، وكذلك هنالك الكثير من المستخدمين الذين لديهم المعلومات ولكن لن تكون لديهم روح المبادرة لإضافتها في موقع لا يخصهم بدون أي مقابل، أو المستخدمين الذين سيضيفون محتوى يدعم توجهاتهم ويسوّق لها، ولكن اليوم وبعد مضي عشر سنوات نعترف جميعاً بأن رؤية جيمي ويلز صاحب هذا المشروع كانت ثاقبة وناجحة، وأن الثقة التي منحها لمستخدمي الإنترنت في جميع أنحاء العالم كانت في محلها، كما أن فهمه للطبيعة البشرية أو بالأصح رؤيته لها من حيث أن نسبة الخير أكثر من الشر وأن المساهمين الإيجابيين هم الأكثرية، وأنهم سيقودون تلك الموسوعة إلى النجاح، كل هذا جعله اليوم يجني ثمار تلك البذور التي غرسها أكثر من 91000 "مساهم نشط" كما أسماهم هو نفسه، تلك البذور التي ساهم الجميع في العناية بها من خلال الجملة الشهيرة التي تعقب كل مقال غير مكتمل وهي "هذه بذرة مقالة عن (عنوان المقال) وتحتاج للنمو والتحسين، فساهم في إثرائها بالمشاركة في تحريرها". ولعلنا نتذكر انطلاقة النسخة العربية من الويكيبيديا في عام 2003م، والتي استمرت ضعيفة لفترة طويلة جداً إلى أن تكونت الموسوعة العربية المتكاملة بشكلها الحالي، والتي تحتوي على 144417 مقال و2578 مساهماً نشطاً، وتحتل حالياً المرتبة 24 من بين اللغات الأخرى من حيث ثرائها بالمحتوى، وقد أثبت العرب اهتمامهم بإثراء المحتوى لولا أن إدارة الموسوعة تعتب عليهم كثيراً لأنها تطمح إلى الكثير وتنتظر منهم الكثير وهذا ليس بغريب لأن تاريخ العرب وحاضرهم يحمل في طياته الكثير من المعلومات التي تستحق الإضافة، والحقيقة أن من المفترض أن تصبح الموسوعة العربية في ويكيبيديا في مرتبة أفضل عالمياً، وهذا يتطلب تحركاً على مستوى اللجان الثقافية العربية في كل الدول العربية والوزارات الإعلامية العربية، ومساهمة أكبر من مستخدمي الإنترنت العرب وخصوصاً من لديهم معلومات من مصادر موثوقة وكل ذلك ليقول العرب كلمتهم للعالم وللتاريخ ولنكون مساهمين في إثراء المحتوى العربي على مستوى عالمي. * متخصص في تحليل الويب