لعل المحاور الأساسية في مجموعة الأوامر الملكية العليا التي صدرت يوم الجمعة الماضي تصب ومن منطلق المسؤولية والإحساس العالي في تحسين الأحوال المعيشية والقضاء على البطالة ومحاربة الفساد، والبطالة والفساد من أكبر المشكلات التي يعاني ويخاف من تداعياتها وإفرازاتها أي مجتمع يطمح في الاستقرار، فالحديث عن البطالة يطول وهناك آراء كثيرة تتحدث عن إنتاجية الموظف السعودي مقارنة بغيرة من الجنسيات، وحديث عن إعادة التأهيل والتدريب وعن دور التعليم في توفير التخصصات التي يحتاجها سوق العمل، وحلول تطرح واقتراحات نسمعها ونقرأها ونقاشات تدور حول السعودة (أو اللاسعودة) في القطاع الخاص! وهناك تبريرات كثيرة نسمعها منها أن العمالة المستقدَمة هي أكثر تأهيلا وأقل أجرا، بينما لو نظرنا لكثير من الوظائف التي يحتلها غير السعوديين لوجدنا أنها لا تندرج - ولنضع مليون خط تحت لا - ضمن التخصصات النادرة كخبير في الانشطار النووي أو متخصص في العلوم الفضائية! بل إنها وظائف وأعمال تغطيها التخصصات المهنية والفنية والجامعية المختلفة الموجودة لدينا، ولو نظرنا للبدلات والحوافز المالية التي يحصل عليها العاملون غير السعوديين في بعض التخصصات وفي بعض القطاعات لوجدنا أنها كبيرة جدا مقارنة بما يمكن أن يصرف للسعودي الذي يملك نفس المؤهل، وهنا أطرح سؤالا؛ هل نحتاج في البنوك والشركات لوظائف قيادية عليا لغير المواطنين ؟! كما أن الحديث عن تسيّب الموظف السعودي وعدم إنتاجيته مقارنة بالأجنبي قد يعتبران سببا مقنعا ومبررا يمكن استخدامه في سوق عمل تحكمه المنافسة الشديدة، وفي زمن يعلو فيه سقف الانتاجية، لكن وبعيدا عن التعميم وحتى لو افترضنا أن هذه المقولة صحيحة ومثبتة فإن الرقابة والقوانين الوظيفية التي تكافئ المنتج وتعاقب الكسول المتسيب وترفض البطالة المقنعة يمكنها ببساطة أن تفلتر الموظفين حسب إنتاجيتهم بحيث لا يكونون عبئا على المكان الذي يعملون فيه مهما كانت جنسياتهم . لقد حان الوقت لكي يتحمل القطاع الخاص شيئا من المسؤولية نحو المجتمع الذي ينتمي له ويستفيد منه ويحاول أن يكسب شيئاً من الثقة التي فقدها المواطن نتيجة بعض التصرفات المخيبة للآمال من بعض المنتمين لهذا القطاع.. المحور الثاني "الفساد"، والحديث عن التجاوزات المالية كثير؛ وهذا الموضوع كتب الكثيرون من المتخصصين الواعين عنه وعن المشاريع ذات الأرقام الفلكية والذمم المطاطية والعيوب التي تظهر بمجرد أن ينتهي مقاول ما أو شركة ما من مشروع معين. و"هيئة مكافحة الفساد المالي والإداري" أمامها مهام صعبة ولديها أولويات كثيرة نتمنى لها التوفيق، فالإصلاحات تبدأ بتشخيص المشكلة لتأتي بعدها الحلول.. والفساد له أوجه كثيرة؛ فالتأخر في إنهاء المعاملات الحكومية والتسويف الذي نواجهه ممن يتخذون من البيروقراطية شعارا هو صورة من صور الفساد، المحسوبية والواسطة التي أصبحنا نتفاخر بها ولا نخجل منها صورة من صور الفساد، التحايل على الأنظمة والقوانين صورة أخرى من صور الفساد، الأطباء والمستشفيات التي ترفض علاج مريض بحجج واهية تمارس الفساد، مقاولات الباطن التي يمارسها بعض الأكاديميين للحصول على ترقيات علمية مشبوهة فساد علمي يجب القضاء عليه،" راجعنا بكرة وبعده" شعار للفساد، عدم الالتزام بالقرارات والقوانين الواضحة ومحاولة تجاوزها تؤصل الفساد، استغلال السلطة أو المركز الاجتماعي من إفرازات الفساد، التعدي على الآخرين بصورة او بأخرى وجه وقح للفساد. صور الفساد كثيرة ونحن مسؤولون عنها كأفراد ومجتمع فيجب أن ننآى بأنفسنا عنها وأن نرفضها وأن لا نساهم في وجودها، ولا نتعامل معها بسلبية، لذلك فإن التوعية الإعلامية والاجتماعية بأوجه الفساد يجب أن تكثف، دور الصحافة والإعلام المرئي والمسموع مهم، مناقشة هذه الأمور في الصحافة والإعلام الرسمي تساهم أولًا في القضاء على الإشاعات والاتهامات الكيدية كما أنها تتيح لجميع الاطراف وأصحاب وجهات النظر المختلفة إبداء آرائهم فحق الرد مكفول في الإعلام، مقارنة بإشاعات "البلاك بيري" مثلا أو عنوان فضائحي قد - أقول قد - يحمل في طياته شيئا من الحقيقة لكنه يفتقد مصداقيته لأن صاحبه يختفي خلف اسم مستعار في منتدى من منتديات الشبكة العنكبوتية. إن تفاعلنا المسؤول والإيجابي مع هذه القرارات المهمة والتاريخية التي جاءت من أعلى سلطة في البلاد كي نحقق التطلعات الحكومية والشعبية هو المطلوب في هذه المرحلة..