حفز معرض الرياض الدولي للكتاب 2011م إلى تحقيق سياحة معرفية وثقافية ممتزجة مع الزخم الفكري الكبير الذي صاحبه طيلة أيام المعرض العشر التي انقضت آخر أيامها الجمعة الماضية. وأسدل الستار عن المعرض الذي اُفتتح في السادس والعشرين من ربيع الأول الماضي ، مكملا دورته الخامسة، وسط مشاركة نحو 700 دار نشر ، من 30 دولة ، عرضوا أكثر من 300 ألف عنوان ، ونفذ فيه نحو ثماني عشرة فعالية ثقافية داخل المعرض ، وفي الإيوان الثقافي المصاحب شارك فيها أكثر من ثمانين مفكراً ومثقفاً وأديباً من داخل المملكة وخارجها ، وحلت دولة الهند ضيف شرف فيه . لقد نال معرض الرياض للكتاب رضا زواره منذ انطلاقته ، وحقق نتائج فاقت توقعات القائمين عليه ، ودللت آخر الأرقام التي أعلنها مدير معرض الرياض الدولي للكتاب الدكتور عبد العزيز العقيل على نجاح المعرض ، وكشف أن عدد زوار المعرض تجاوز ثلاثة ملايين زائر ، وحققت المبيعات رقما ضخما وصل إلى نحو خمسة وثلاثين مليون ريال . وتميز المعرض هذا العام بتنوع فعالياته الثقافية ، ولياليه الشعرية ، بالإضافة إلى التوقيعات اليومية للكتب والدواوين والسير لعددٍ من المؤلفين والمؤلفات ضمن الأنشطة المصاحبة للمعرض . وبلغ عدد المؤلفين والمؤلفات الذين وقعوا إصداراتهم الجديدة مائة وخمسة وستين مؤلفاً ومؤلفة ، وذلك من خلال أربع منصات اثنتان للرجال واثنتان للسيدات تم تخصيصها في المعرض . وجاء معرض الكتاب لهذا العام بحلة قشيبة وجديدة ، وبإضافات متميزة ، حيث هيأ المعرض ركنا خاصا للطفل ضمن أجنحة تخصصت في تعليم الأطفال بطرق حديثة ، وبالتعليم بالترفيه ، وللأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة ، ومن لديهم صعوبات تعلم ، بمشاركة نخبة من المؤسسات الاجتماعية والخيرية ذات الاهتمام بالطفل . وشاركت نحو 54 دار نشر في الجناح الخاص بالطفل في المعرض وتنوعت مشاركات الدور في تقديم كل ما هو جديد في عالم الكتب والقصص والألعاب التعليمية ، وحظي الأطفال من عمر ثماني سنوات وحتى 16سنة بالعديد من الكتب التي تناسبهم ، فيما حظيت بعض الأركان القادمة من أمريكا وألمانيا بإقبال الأطفال الراغبين بتعلم اللغة الإنجليزية . وازداد معرض الكتاب ألقاً بتزامنه مع انطلاقة البرنامج الثقافي المكون من 18 فعالية خلال أيامه العشرة بواقع فعاليتين في كل يوم . وقسم البرنامج الثقافي إلى فترتين الأولى تبدأ من الساعة السادسة والنصف ، والفترة الثانية عند الساعة الثامنة والنصف . وتناول البرنامج الثقافي العديد من الموضوعات الثقافية والفكرية التي تهم الشأن المحلي والعربي والدولي ، مع التركيز على القضايا التي تشغل المهتمين في الجانب الثقافي والأدبي ، بالإضافة إلى التطرق إلى الثقافة الهندية وصلاتها بالثقافة العربية باعتبار أن الهند ضيف الشرف . وتناول المعرض العديد من الندوات التي تتحدث عن ملامح من الثقافة الهندية والإسهام الهندي في الفنون والفكر والثقافة الإسلامية ، بالإضافة إلى مسارات الثقافة العلمية في المملكة العربية السعودية ، وجهود المملكة العربية السعودية في الترجمة وتجربة الكتابة الإبداعية السعودية. كما تطرقت الندوات للثقافة والفضائيات ، إلى جانب مناقشة بعض قضايا الفكر الإسلامي الحاضرة في المشهد الثقافي ، والفنون الثقافة التقليدية في المملكة العربية السعودية . إلى جانب الأمسيات القصصية والشعرية لعددٍ من الأدباء ، كما تعرضت الفعاليات الثقافية إلى الشأن المسرحي في المملكة . وكان ضيف الشرف للمعرض في دورته الخامسة جناح جمهورية الهند ، وتضمن الجناح عدداً من الكتب الهندية التي تمت ترجمتها إلى اللغة العربية، من علماء هنديين ، تحت إشراف المركز الثقافي الهندي والسعودي بالجامعة الملية الإسلامية في نيودلهي ، منها كتب تتحدث عن الجالية المسلمة في الهند . وشهد الجناح تدفق المئات من الزوار للإطلاع على عدد من الكتب التي تمثل الثقافة الهندية . ويأتي حضور الهند في معرض الكتب بالرياض كجزء من سلسلة الفعاليات المخططة لترويج المعرفة المشتركة والتفاهم بين البلدين ، حيث قال السفير الهندي لدى المملكة تلميذ أحمد في تصريح صحفي : إن حضور الهند في معرض الرياض الدولي للكتاب بصفته ضيف الشرف، جزءاً من سلسلة الحدث الذي كانت الهند تخطط له لترويج المعرفة المشتركة والتفاهم، مشيراً إلى أنهم يخططون لمشروع ترجمة كتب هندية إلى اللغة العربية وترجمة الكتب العربية إلى اللغات الهندية المختلقة مثل الهندية ،الأردية، والمليبارية . وأكد حرصهم على تنظيم زيارات ثقافية للإعلام والتعاون في ما بين وكالتي الأنباء في البلدين والقنوات التلفزيونية ، واستضافة الأحداث الثقافية السعودية في الهند ، مفيداً أن التفاعل بين الثقافتين هو الركن الأساسي في تطوير العلاقات بين البلدين . على مستوى آخر شهد المعرض منذ انطلاقته حضورا مكثفا من فئة الشباب الذي حرصوا على اقتناء الكتب الفكرية والروايات والقصص بحسب إحصائيات للمعرض . ولم تكن المرأة السعودية بعيدة عن التظاهرة الثقافية ، بل تعد من أبرز زوار معرض الرياض الدولي للكتاب ، وسجلت حضورا لافتاً طيلة أيام المعرض ، الأمر الذي حدا بالمسئولين عن المعرض تغيير جدول الزيارات ليتواءم مع اهتمام ورغبات الأسرة السعودية من رجل وامرأة وطفل وشاب. وتنهج وزارة الثقافة والإعلام طيلة السنوات الخمس الماضية على تطوير المعرض بما يتواءم مع الطموحات التي تهدف إلى جعل معرض الرياض للكتاب قبلة للمثقفين من كل أرجاء العام . في هذا الصدد يقول وكيل وزارة الثقافة والإعلام المكلف للشؤون الثقافية والمشرف العام على معرض الرياض الدولي للكتاب الدكتور عبد الله الجاسر : إن الوزارة ستعمل على تنفيذ أفكار جديدة في النسخ المقبلة تحمل مزيدا من التنوع الذي يتضمن التركيز على اختيار ضيف شرف يتجاوز مجرد الحضور الرمزي ليكون مرتكزا رئيسا في المعرض ويسهم بقوة في دعم البرنامج الثقافي" ، مفيدا أن مشاركة الأندية الأدبية في المملكة ستكون أكثر فاعلية في الأعوام القادمة ، موعزا ذلك إلى أنها أذرعا مهنية لا يمكن الاستغناء عنها ، بالإضافة إلى تفعيل مشاركة جمعيات الثقافة والفنون والجمعيات الأخرى . وفي إطار متعلق فقد خصصت وزارة الثقافة والإعلام جناحا للكتاب يقدم خدماته للمثقفين وزوار المعرض، عارضا عدداً كبيراً من الإصدارات والمطبوعات . ويعد الجناح واحداً من أجمل الأجنحة المشاركة في المعرض . ويؤكد المشرفون على المعرض أن الجناح يأتي بهدف تقديم مطبوعات الوزارة فضلا عن خدمات الإرشاد الثقافي والكتب الإعلامية . فيما شاركت الوزارة بأكثر من 70 عنوانا ثقافيا وإعلاميا ، وزع الجناح منها أكثر من 10 آلاف نسخة مع البرنامج الثقافي. وشهدت أورقة الأندية الأدبية المتجاورة في المعرض حراكا واسعا من الزوار الذين يحرصون على اقتناء منتجات الأندية التي تنوعت في تناولاتها بين القصة والرواية والمسرح ورصد للمشهد الثقافي في المملكة تجاوز عدد عناوينها 900 عنوان . وشارك نادي الرياض الأدبي هذا العام بأكثر من 150 عنوانا ، منها 23 كتابا جديدا ، بالإضافة إلى العديد من السلاسل الأدبية المشتركة مع بيروت والدار البيضاء وسلسة النشر المشترك وسلسة رؤى الثقافية وسلسة الكتاب الأول ، إلى جانب آخر مجلتين دوريتين . كما شارك نادي المدينة الأدبي بأكثر من 90 عنوانا في الدراسات الإسلامية والأدبية ، كما شارك أيضا نادي الطائف الأدبي بأكثر من 50 عنوانا تتنوع العناوين التي يقدمها الجناح بين القصة والرواية والشعر، وغيرها من المطبوعات والدوريات التي جذبت الزوار بتنوعها وثرائها . كما قدم نادي الأدبي بالقصيم نتاجه بواقع 30 عنوانا تتنوع بين الدراسات الأدبية والمجلات والكتب التي أصدرها النادي حديثا . وربما تكون مشاركة النادي الأدبي في جدة الأبرز على اعتبار احتوائها على عدد كبير من العناوين تجاوز 400 عنوان تتنوع بين الدوريات التي يبلغ عددها خمس دوريات شكلت 71 عنوانا من المجموع العام ، عدا عن بعض الكتب المتنوعة في هذا مجال . بالمقابل تأتي مشاركة نادي مكة الأدبي ثرية ب 59 عنوانا تباينت بين الدراسات النقدية والرواية والدواوين الشعرية وغيرها، والتي شهدت إقبالا كبيرا من الزوار والذين حرصوا على اقتناء ما يصدره النادي سنويا ، وهو من أصدر 246 عنوانا طيلة البرامج والأنشطة والفعاليات الثقافية التي جاءت على هامش المعرض كانت محل تقدير من المهتمين ، لما احتوته من تقديم مآدب ثقافية وفكرية أنعشت الحراك المعرفي في المنطقة ، واجتمع عدد من المثقفين والمفكرين في الوطن العربي تحت مظلة المعرض حيث تناولوا معظم القضايا التي تشغل المثقفين والمفكرين ، وتطارحوا كل ما يتعلق بالشأن الثقافي في الوطن العربي . وكان ما نفذ على هامش المعرض ، الإعلان عن جائزة خادم الحرمين الشريفين عبد الله بن عبد العزيز العالمية للترجمة للأعمال الفائزة في الدورة الرابعة للجائزة لعام 1431ه / 2010م ، برعاية من صاحب السمو الملكي الأمير عبد العزيز بن عبد الله بن عبد العزيز مستشار خادم الحرمين الشريفين ، وعضو مجلس إدارة مكتبة الملك عبد العزيز العامة ، ورئيس مجلس أمناء الجائزة ، جاء ذلك في حفل أقيم بهذه المناسبة في إحدى قاعات المعرض . وتهتم الجائزة بالاحتفاء بالإبداع والمبدعين ، وتبادل الآراء بين النتاجات الإنسانية العالمية وتلاقح الأفكار . كما أقيمت في أحد مساءات معرض الكتاب تظاهرة ثقافية لجمعية الناشرين السعوديين حظيت بحضور من صاحب السمو الملكي الأمير تركي الفيصل الرئيس الفخري لجمعية الناشرين السعوديين، وبرعاية من معالي وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبد العزيز بن محيي الدين خوجة. وكان لهذه المحافل الثقافية أثر ملموس في إثراء الثقافة على المستويين العربي والعالمي ، بحيث أصبح الكاتب السعودي يزاحم على أرفف المكتبات والمعارض الدولية وينافس أعرق الدور والناشرين . وتوصلا للفعاليات الثقافية في معرض الكتاب ، تمكن زواره طيلة أيامه العشرة من معايشة رحلة ابن بطوطة التي قام بها قبل أكثر من 650 عاما في القرن الرابع عشر، عبر فيلم سينمائي بعنوان " الطريق إلى مكة " الذي يعرض في إحدى صالات المعرض . ويُعرض الفيلم ثلاث مرات يوميا ويستمر لخمس وأربعين دقيقة قصة رحلة ابن بطوطة من بلدته طنجة في المغرب وعبر الصحراء على امتداد آلاف الأميال إلى مكة لأداء الحج، حيث يصور الصعاب التي تعرض لها ابن بطوطة خلال رحلته الطويلة . ويركز الفيلم على تبيين مصاعب الحج في الماضي والحج في يومنا، وأنتج بالتعاون مع مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية ومكتبة الملك عبد العزيز العامة ، وبمساعدة من القطاع الخاص السعودي والعربي بقيادة مجموعة الزامل . ويوضح المسئولون في هذا الجانب أن هناك إقبالا من الزوار على شراء تذاكر الفيلم لحضوره خاصة من العائلات السعودية . وتجاوزت تكلفته ال60 مليون ريال عدا التكاليف العينية والفنية والموارد البشرية ؛ التي تكفلت بها حكومة المملكة العربية السعودية. وسبق للفيلم أن عرض في مدينة الخبر، خلال الأشهر الثمانية الماضية في مركز الأمير سلطان للعلوم "سايتك"، وترجم إلى لغات عدة ، منها الفرنسية والروسية والتركية والإنجليزية ، عرض من خلالها في 30 مدينة حول العالم ، وشاهد الفيلم ما يتجاوز ال600 ألف مشاهد حول العالم ، وحاز على ثلاث جوائز في مهرجانات مختلفة ( هيوستن ، بوسطن وباريس ) .