لم يتوقع أي من المراقبين سواء كانوا مثقفين أو متابعين في الدوائر الاستخبارية العالمية، ما ستؤول إليه "أوضاع العالم 2011"، تلك الأوضاع التي يعيش العالم اليوم على وقعها ساعة بساعة، في ظل عجز الحكومات عن فهم واقعها، على الرغم من المؤشرات الكثيرة التي حملتها التطورات الدولية والتي دلّت على أن العالم لن يبقى على ما هو عليه، إن لم يكن في 2011 وإنما في الأعوام اللاحقة، وأننا سنشهد انتقالاً حتمياً إلى واقع مختلف. في هذا السياق يحاول التقرير الفرنسي "أوضاع العالم 2011" الصادر عن مؤسّسة لا ديكوفرت الفرنسية وترجمته إلى العربية مؤسّسة الفكر العربي بموجب اتفاق تعاون بين الجهتين، يحاول أن يقدّم رؤية واضحة قائمة على أن هذه النظم أنتجت حالاً من العقم والسلبية، وأن العالم في 2011 هو عالم أكثر بؤساً وفقراً وجوعاً، لكنه في الوقت نفسه أوسع اتصالاً وأكثر ارتباطاً وتأثراً بعضه ببعض، في ظلّ الإمبريالية الرقمية الأميركية التي حتّمت الثورات المعرفية، وأفضت إلى غزو مثير للجدل لعالم الشبكات الاجتماعية، كما سهّلت وصول وانتشار المعلومة بشكل أسرع، إضافة إلى الهيمنة التجارية للشركات الأميركية على القطاع الرقمي وهي سيطرة باتت "غوغل" تجسّد رمزها المدهش. يُخرج الكتاب الأمور من الدوائر المغلقة، يعرض المعادلات الجديدة التي بدّلت في التوازنات السياسية والاقتصادية والاجتماعية القائمة، خصوصاً الأزمة المالية العالمية وعواقبها على العمالة وفي مقدّمها عمالة الشباب أو أصحاب فئة عمرية في سن العطاء لكنها معطّلة ومن غير دور وفعالية. كما يطرح الكتاب إشكالية تتعلق بقدرة الأممالمتحدة على القيام بدور جديد، وسبل القضاء على الجوع ودور النيوليبرالية في مواجهة العمل الإنساني، مثيراً أسئلة ومعلومات تتعلق ببؤر التفاوت الاجتماعي ومصير الفقراء الذين يحصدهم الموت لا بل يفضّلهم على غيرهم، من خلال أوبئة انتقائية وكوارث طبيعية وازدهار النزاعات التي ترفع عدد الضحايا سنوياً، ومن بينهم ضحايا الجوع، إذ قدّرت منظمة الأممالمتحدة للأغذية والزراعة أن عدد الأشخاص الذين يعانون سوء التغذية بلغ في العام 2009 مليار شخص من بينهم مئة مليون ضحية، وذلك كله يحصل في ظلّ اصطدام مسار القضاء على الجوع بغياب الإدارة العالمية الفعلية للأمن الغذائي. من هذا الباب يفتح الكتاب قضية العمل على مصراعيها، العمل كمفهوم ودور ووظيفة، خصوصاً أشكال العمل المعاصرة والسعي لإعادة النظر في مكانة الجانبين الاقتصادي والإنساني في عالم العمل. يتناول الكتاب بالأرقام الدقيقة وضع الصحافة المطبوعة في العالم والمليارات التي هجرت هذا القطاع وفاقت الأربعين ملياراً في غضون سنتين، يطرحها كإشكالية فعلية من دون أن يقلّل من أهمية الصحافة الإلكترونية التي طرحت نفسها كبديل عن المكتوب وكشاهد على عصر جديد للمعلومات بعد غوتنبرغ، عارضاً لدور الأجهزة اللوحية الجديدة المعدّة لقراءة المحتويات المكتوبة كما المصوّرة التي تجسّد تجديداً ممكناً للصحافة الإلكترونية. يخترق التقرير الفرنسي بؤر التوترات الإفريقية من دلتا النيجر إلى القرن الإفريقي، ويعرّج على حدود النموذج الصيني والانفجار السكاني في المناطق الحضرية في باكستان وأيضاً مستقبل الدول الأوروبية واتحادها. كما يتناول بعين المراقب مسائل الهجرة والجوع والتغير المناخي، ويولي من خلال محور افتتاحي يحمل عنوان "علاقات دولية جديدة" اهتماماً خاصاً بالقوى الناشئة وقدرتها على تغيير النظام العالمي. 50 مقالة يتضمنها "أوضاع العالم 2011 " تكشف عن أهم التغيرات السياسية والاقتصادية والدبلوماسية وأيضاً التكنولوجية والبيئية، ويعرض بعض السير الذاتية لشخصيات تركت أثراً في تاريخنا الجديد ومن بينها جينتاو وكارلوس أناكونديا والمناضل مروان البرغوثي. وقد أدرجت هذه المقالات من ضمن خمسة محاور هي: علاقات دولية جديدة، مسائل اقتصادية واجتماعية، مجتمعات وتنمية بشرية، بيئة وتكنولوجيات حديثة، رهانات إقليمية.