يكاد يكون من المتفق عليه أن مهنة الخدمة الاجتماعية social work امتداد للرعاية الاجتماعية social welfare التي تعود بجذورها الأولى إلى بداية المجتمع البشري، متخذة في ذلك صوراً متعددة شأنها شأن كثير من المهن الأخرى، التي قامت بالإنسان ولأجله، بدافع الخير philanthropy والإحسان charity. والواقع أن الخدمة الاجتماعية في مفهومها العلمي تُعّد أحد نتائج الثورة الصناعية في أوربا وأمريكا خلال القرن الثامن عشر والقرن التاسع عشر، وما صاحبها من ضنك العيش؛ حيثُ أخذت الخدمة الاجتماعية على عاتقها عمل الإحسان كنشاط لتخفيف المعاناة الإنسانية، حيث كانت جهود الإحسان في ذلك الوقت بحاجة إلى نشوء مهنة كالخدمة الاجتماعية، لتتبنى المساعدة والتنظيم وفق منهج يحقق فائدة أكبر. وعلى أثر ذلك نشأت حركة جمعيات تنظيم الإحسانcharity organization لمحاربة الفقر في إنجلترا خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر عام 1868م، ثم في الولاياتالمتحدةالأمريكية عام 1877م. ففي الولاياتالمتحدةالأمريكية تؤدي مهنة الخدمة الاجتماعية اليوم مهمة ورسالة ذات شأن كبير تضاهي كثيرا من المهن الإنسانية الأخرى، إذ يعمل الأخصائيون الاجتماعيون وفق سياسات وإستراتيجيات مقننة ومتطورة تفوق أي بلد آخر في العالم. فمنذ وقت مبكر (1955م) تم دمج مجموعة من الجمعيات المتخصصة في الخدمة الاجتماعية في الولاياتالمتحدةالأمريكية، وأصبحت جمعية واحدة عرفت بالجمعية الأمريكية للأخصائيين الاجتماعيين (NASW)، التي تقدمت سنة 1956م بصياغة جديده لمفهوم الخدمة الاجتماعية، بحيث توجه ممارسة الخدمة الاجتماعية بمعارف النمو الإنساني، وخصائص السلوك الفردي، وسيكولوجية المساعدة والتعاون والتفاعل، ومعارف حول الاتصال ونظريات الاتصال، ومعارف حول الثقافة، والتنمية، والتغير الاجتماعي، ومعارف أخرى تتعلق بالخدمات الاجتماعية. ويمكن تحديد بعض الأشياء الرئيسية التي تطورت في ممارسة الخدمة الاجتماعية مثل: - تحولت جهود مهنة الخدمة الاجتماعية من عملية التنسيق للجهود إلى عملية التبني لتلك الجهود، وزاد الاهتمام بدور الأخصائي الاجتماعي المسئول عن إحداث التغيير في المجتمع. - أصبح الأخصائيون الاجتماعيون اليوم يمارسون المهنة في العديد من مؤسسات الرعاية الاجتماعية. من العرض السابق يتضح بأن الخدمة الاجتماعية قد بدأت مسيرتها عن طريق عمل الخير والبر والإحسان؛ على أن العمل التطوعي جزء لا يتجزأ من المهنة، لكنه - العمل التطوعي - ذو رابط وثيق بثقافة المجتمع. فالرئيس الأمريكي الحالي "باراك أوباما" Barack Obama عمل ولمدة ثلاث سنوات من حياته العملية مديراً لمؤسسة خيرية غير ربحية تهتم بتنمية المجتمع في (شيكاجو). ومن رواد العمل الخيري في المجتمع الأمريكي أيضاً "جين أدامز" Jane Addams (1860م - 1935م) التي أنشأت منزل للاجئين، والذي أصبح فيما بعد نموجاً لأكثر من أربعمائة مسكن للاجئين أنتشرت في الولاياتالأمريكية مع حلول عام 1920م. لقد خاضت ميدان العمل التطوعي والخيري والمؤسسي لتحقيق الرفاهية الاجتماعية في المجتمع الأمريكي، كما عملت بلا كلل لتمنح المرأة حق التصويت ولتحقيق السلام العالمي وهو ما قادها لنيل جائزة نوبل للسلام عام 1931م. وعن الرواد الذين ساهموا في بلورة المفهوم الحديث للخدمة الاجتماعية في الولاياتالمتحدةالأمريكية، تأتي في مقدمتهم "ماري ريتشموند" Mary Richmond التي ساهمت من خلال مؤلفاتها العلمية والمناصب القيادية التي ساهمت من خلالها في وضع اللبنات الأساسية لمهنة الخدمة الاجتماعية في المجتمع الأمريكي. ففي عام 1889م عملت مساعدة لأمين صندوق جمعية تنظيم الإحسان في مدينة (بلتيمور) ثم في عام 1891م أصبحت سكرتيرة لجمعية تنظيم الإحسان بمدينة (فيلادلفيا) وفي عام 1897م حينما كانت مديرة لجمعية تنظيم الإحسان في (بلتيمور) قدمت بحثاً للمؤتمر الوطني لجمعيات تنظيم الإحسان، تطالب فيه بإنشاء مدرسة للخدمة الاجتماعية، وتحقق ذلك وأنشئت أول مدرسة للخدمة الاجتماعية في الولاياتالمتحدةالأمريكية، وذلك عام 1898م في مدينة (نيويورك). وفي عام 1909م عملت كرئيسة لقسم الإحسان بمؤسسة (رسل سيج). كما ساهمت "ماري ريتشموند" ومن خلال أعمالها الميدانية في إيصال الخبرات العملية إلى الأخصائيين الاجتماعيين، من خلال المحاضرات التي كانت تلقيها بمعهد الإحسان، وفي مدرسة نيويورك للإحسان التطبيقي. أما مهنة الخدمة الاجتماعية في المملكة العربية السعودية فقد نشأت بعد انتقالها من الدول الغربية إلى جمهورية مصر العربية. وقد كان ذلك نتيجة لحاجة المجتمع السعودي لها من ناحية، وجهود المثقفين والقيادات الواعية التي أحست بمشكلات المجتمع من ناحية أخرى. ففي عام 1955م استعانت وزارة التربية والتعليم (وزارة المعارف آنذاك) باثنين من الأخصائيين الاجتماعيين من مصر لتنفيذ خطة إدارة التربية والنشاط الاجتماعي، ما أدى بعد ذلك إلى الاقتناع بأهمية دور الأخصائي الاجتماعي مع الطلاب، ومن ثم بدأت تأخذ الخدمة الاجتماعية مكانها في المؤسسات التربوية والاجتماعية والطبية والأمنية في المجتمع السعودي. والحقيقة أن الخدمة الاجتماعية لا زالت تؤدي رسالة هامة وحيوية في المجتمع السعودي، يتناسب مع التطور المشهود الذي يؤكد الحاجة إليها من منظور واقعي يمكن للمتخصص إدراكه بسهولة. وتمتلك الخدمة الاجتماعية في المجتمع السعودي رواداً مازالت عطاءاتهم واقعاً ملموساً في الحقل الأكاديمي والبحثي والمهني، مساهمين في دفع عجلة التمنية وخدمة الوطن محلياً وفي المحافل الدولية. ومن هؤلاء النخبة الرواد الأستاذ عبدالمجيد طاش نيازي، والبروفيسور سامي عبدالعزيز الدامغ، والبروفيسور سعود ضحيان الضحيان، والبروفيسور راشد سعد الباز، والدكتور فهد حمد المغلوث، والدكتور جبرين علي الجبرين.