سيطرت الجزائر في العام 2010 على الوضع الأمني في الداخل بعد 18 عاماً من اندلاع العنف المسلح على أراضيها، لكنها باتت تواجه «إرهابا» يزحف من جنوبها الصحراوي على الساحل الأفريقي. وجاء في تقرير لرئيس خلية المساعدة القضائية لتطبيق ميثاق السلم والمصالحة الوطنية في الجزائر، مروان عزي نشر الشهر الماضي، ان 7540 «إرهابيا» وضعوا السلاح منذ سبتمبر العام 2005، بينهم 81 من أمراء «الإرهاب» يتقدمهم حسن حطاب، مؤسس الجماعة السلفية للدعوة والقتال، المسماة حاليا تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي». وأشار التقرير إلى إنه خلال الفترة ما بين 1997 إلى 2002 كان يتم إحصاء 800 إلى 1000 قتيل شهريا من المدنيين وعناصر الأمن والجيش، وبعد تطبيق سياسة المصالحة الوطنية في 29 سبتمبر 2005 التي منحت العفو «للإرهابيين التائبين» تقلص العدد إلى ما بين 20 إلى 25 قتيلا، فضلا عن أن قتلى «الإرهابيين» مذاك وحتى نوفمبر الماضي بلغ نحو 1300 قتيل، بينهم أكثر من 130 قتيلا منذ بداية العام 2010. وقال نائب رئيس البرلمان الجزائري، الصديق شهاب، ليونايتد برس انترناشونال إن تجربة الجزائر في مكافحة الإرهاب «تجربة قوية»، تمكنت خلالها بعد أكثر من عقد من الزمن من تطويقه بقوة «وهو الآن يلفظ أنفاسه الأخيرة بشهادة الجميع». العنف القادم من الصحراء أكثر خطورة لارتباطه بتدخلات وأطماع خارجية وبدا شهاب مطمئنا إلى تلاشي «شبح الإرهاب» وقال «لم يعد (الإرهاب) من يوميات الجزائريين بغض النظر عن وجود جيوب في الأماكن الوعرة يقوم الجيش بمطاردتها بقوة، ويمكن القول ان الإرهاب في الجزائر أصبح في زاوية محصورة». واعتبر أستاذ العلاقات الدولية في جامعة الجزائر الدكتور مصطفى سايج إن قوات الأمن «أثبتت قدرتها على إدارة وتحييد الجماعات الإرهابية». وقال سايج ليونايتد برس انترناشونال إن هذه القوات «اعتمدت حزمة من الإجراءات الأمنية القائمة على محاصرة هذه الجماعات في معاقلها مع تنفيذ هجمات مباغتة ضدها والاستفادة من المعلومات التي تقدمها العناصر الإرهابية التي تسلم نفسها لقوات الأمن مع توجه الحكومة نحو سياسة تضييق المتنفس الدعائي من خلال تكييف قوات الأمن لمواجهة (الإرهاب نت)، وهي السياسة التي تطالب الجزائر بضرورة تطبيقها على المستوى الإقليمي». لكن شهاب رأى أن قضية التهديدات الأمنية في الساحل الإفريقي تعد «أكثر تعقيداً». الجزائر خسرت الكثير من أعمال العنف والتفجير وقال إن منطقة الساحل شهدت قبل توغل عناصر القاعدة فيها اضطرابات عرقية وحركات تمرد جراء تنوع الأعراق، وإن «التدخل الأجنبي في المنطقة يعود لسنوات وهي محل أطماع، إلا أن وجود القاعدة في المنطقة سيستعمل كمطية لتدخل أوسع في محاولة للسيطرة على ثرواتها باسم الحاجة الأمنية». ولم يستبعد شهاب وجود «المتربصين» بالجزائر بعدما تعافت من أزماتها في محاولة لزعزعة الوضع من جديد، عبر الساحل الإفريقي «المهلهل». وقال إن «الولاياتالمتحدةوفرنسا وبريطانيا لديها أطماع في المنطقة إلا أن الذي يجب أن يعلمه الجميع أن الجزائر لم ولن تتخلى عن شبر من أرضها لأي كان». وأوضح أنه قبل ظهور «الحركات الإرهابية» في المنطقة كانت هناك حركات مسلحة كحركة الأزواد المدعومة من الخارج، ولكنها فشلت، في إشارة إلى محاولة إنشاء دولة للطوارق بدعم من فرنسا في جنوب الصحراء تضم كل طوارق المنطقة الموزعين عبر الجزائر وليبيا والنيجر ومالي وموريتانيا وتشاد، على غرار الأكراد في العراق وإيران وسوريا وتركيا. وكان وزير الداخلية الجزائري دحو ولد قابلية حذر من وجود مخطط أجنبي يهدف إلى الاستحواذ على ثروات منطقة الساحل الإفريقي عبر ما وصفه بالظاهرة الأمنية. وقال ولد قابلية أمام البرلمان إن الظاهرة الأمنية في منطقة الساحل «لم تعد ظاهرة معزولة عن غيرها أو استثنائية ولكن استراتيجية مخططا لها بحكمة، وكان يجب التعامل معها تعاملا شاملا ومن مختلف المحاور». واعتبر أن منطقة الساحل الإفريقي «أضحت عرضة لتنافس قوى دولية تقليدية تسعى للاستحواذ على ثروات المنطقة لأغراض سياسية وجيواستراتيجية»، في إشارة إلى الولاياتالمتحدةوفرنسا وبريطانيا. وكانت الجزائر استضافت في مارس اجتماعاً ضم وزراء خارجية سبع دول هي: الجزائر وليبيا وموريتانيا ومالي والنيجر وتشاد وبوركينافاسو، للنظر في كيفية مواجهة التهديدات الإرهابية، انتهى بالتوقيع على اتفاق يدعو إلى التعاون على المستويين الثنائي والإقليمي من أجل مكافحة شاملة وفعالة للإرهاب ورفض دفع الفدية في حالات الاختطاف التي انتشرت في منطقة الساحل. ثم استضافت في ابريل اجتماعاً لرؤساء أركان جيوش هذه الدول انتهى بالاتفاق على إعداد استراتيجية مشتركة لمكافحة الإرهاب وإنشاء لجنة أركان عملياتية مشتركة. واعتبر ولد قابلية أن الاتفاق «يكرس عزم حكومات هذه الدول على إيجاد الوسائل المؤاتية لتأمين المنطقة دون أي تدخل أجنبي». وعقد اجتماع ثالث في أكتوبر في مدينة تمنراست في أقصى جنوب البلاد على الحدود مع الدول الإفريقية، ضم رؤساء أركان جيوش الدول نفسها، كتذكير من الجزائر لدول الساحل بضرورة احترام التزاماتها الأمنية. يشار إلى أن الجزائر أحصت وجود 108 إرهابيين يهددون الأمن في الصحراء والساحل الإفريقي، ينتسبون إلى ما يسمى بإمارة الصحراء بينهم 21 جزائرياً و34 موريتانياً ومن جنسيات تونسية ومغربية وليبية ونيجيرية وتشادية ومالية. وتتناقض هذه المعطيات مع ما تنشره أجهزة الاستخبارات الغربية حول وجود ما بين 300 إلى400 «إرهابي» في منطقة الساحل. وقال شهاب إن الجزائر تحاول دائماً جمع دول الساحل في سعيها لرفض أي تدخل أجنبي مباشر ودفع الفدية أو محاولة من قوى أجنبية إحلال قوة عسكرية خارجية محل قوة عسكرية محلية. وأضاف «الأهم أن هدف الجزائر من هذه الاجتماعات والتنسيق هو محاربة الإرهاب فقط وليس لأهداف أخرى»، وذلك في إشارة إلى سعيها للقضاء على فزّاعة الإرهاب التي يرفعها الغرب في محاولاته التدخل في المنطقة. وقال المحلل السياسي إسماعيل معراف، إن مشكلة الجزائر الأساسية تظل في كيفية محاربة «الجماعات الإرهابية» التي توظفها جهات أجنبية لزعزعة استقرار البلاد ومواجهة محاولات هذه الجهات التي لا تقبل بدولة قوية بحجم الجزائر تطلّ على البحر المتوسط وتحول دون فرض سيطرتها على المنطقة.