الزحف المقدس مصطلح للثورة الصينية التي قادها «ماوتسي تونغ» ثم استعارها القذافي بزحفٍ على تونس، وتشاد ومصر، مرة باسم الوحدة، وأخرى برفع صور الزعيم الوحدوي المنقذ، ولعل مسار الحكم خلال (42) سنة هو كوميديا دموية، لأن عقل الرأس الحاكم لا يملك من الإمكانات إلا حالات هلوسة وتهيؤات تكرس في ذهنه أنه هبة كونية للأرض كلها حتى إنه في أولى خطبه النارية اعتبر ليبيا تقود كل القوى العظمى، وأنها مركز الكون وهو زعيمه.. والسؤال ما هو ذنب الشعب العربي أن يقاد إلى دكتاتوريات جاءت على حسّ مكافحة الاستعمار لترفعها إلى الزعامات التاريخية وتجبرت إلى حد تأميم الأموال والصحافة، وأدارت حكومات بوليسية بنت السجون السرية، وسيّرت الأموال بتضخيم شخصية الزعيم عندما تحول إلى المحور الذي تدور أمامه كل الشعوب وممتلكاتها وأفكارها وعقولها، مقابل قتل الطموح وهدم المؤسسات الثقافية والتربوية، لدرجة صار الأب يخشى أبناءه عندما يُعدم لأي تسريب أو ظن يفشيه طفل يستوجب استنطاقاً ببراءته، والخاتمة إعدامات لكل من ينتمي للأسرة؟! كلّ الحكومات التي ذهبت ضحية الانقلابات، لم نجد في سجلها أنها أعدمت على الظن أو الوشاية، ولم نجد ممن كتبوا تاريخها من الانقلابيين من وفر هذه المعلومات إلا تجاوزات مادية لا توازي جزءاً من ألف مما خربه ونهبه زعماء العسكر، والقذافي هو آخر النماذج التي وضعت العرب أمام اتهام تاريخي راسخ بأنهم بلا هوية سياسية تجعل الحرية هدفاً، والديمقراطية نظامَ حكم، وربما أصبحت المراجعة من قبل من وضعوا العرب والمسلمين في خانة المتخلفين أنهم مثل أي شعوب العالم يبحثون عن أنظمة تساوي بين الحقوق والواجبات.. الحوافز التي فرضت سياسة الشارع ليست فقط الفقر والبطالة والمطالب الأخرى، بل هي المساواة بالحريات التي هي طريق الرقابة على عمل الحكومات، والرجوع إلى الشعب كمصدر للسلطات وصاحب النفوذ الأكبر، ولعل من تسلطوا على شعوبهم هم من دفعوا إهمال الحق العام، وليت الموضوع يقف على ما يجري، بل ستفتح ملفات وإدانات واحتكار سلطات بنفوذ الجيش والأمن والشرطة السرية، وهي ليست أمراً مفاجئاً، لأن البداية كانت مع الشاه ولن تنتهي مع القذافي.. الخوف أن تنحرف هذه الثورات وتدخل مدارات أخطر بحيث لا تلبي المطالب ليقفز العسكر أو القوى السرية الأخرى، فتعود إلى المربع الأول، وهي هواجس قائمة إذ لا يزال نفوذ الأنظمة السابقة قائماً ، والاحتمالات لا تجعل هذه الثورات تنقلب عليها أنظمة في اتجاهات أخرى، والدليل أن رموز ثورة إيران هم من يخضعون للإقامة الجبرية والسجون عندما خطفها بعض المعمّمين تحت ظل سلطة وسيطرة حرس الثورة الذي خلق حكماً أقرب إلى الأنظمة العسكرية بستار ديني وقومي..