تعظيم الأرباح هدف مشروع لكل من يعمل في القطاع الخاص من وكلاء وموردين وكبار تجار وفقاً لأخلاقيات مهنية يتفق عليها المجتمع، وضوابط تحددها السلطات الإشرافية والرقابية في كل اقتصاد. والقطاع الخاص شريك استراتيجي للقطاع العام في تحقيق التنمية، وخلق فرص العمل، وزيادة الرفاه الاجتماعي. والوكلاء والموردون وكبار التجار جزء من القطاع الخاص الذي ساهم في توفير السلع والخدمات في الأسواق المحلية، فلا نصفهم بالجشع، ولا نشكك في وطنيتهم، ولا نطالبهم بتحويل شركاتهم إلى جمعيات خيرية، وبالرغم من العوامل الخارجية التي تعرضت لها معظم أنشطتهم المرتبطة بأسعار السلع الأساسية في الأسواق العالمية وتقلبات أسعار الصرف، إلا أننا نعتقد أن هناك هامشاً من الكفاءة الاقتصادية لم يستغل بعد، وأن هناك جملة من الأخطاء والمشاكل المزمنة التي ساهمت في زعزعة استقرار الأسواق المالية، وبالتالي فإن هناك دوراً جوهرياً للوكلاء والموردين وكبار التجار في تقليل حدة التضخم وتوفير الحد الأدنى من استقرار المستوى العام للأسعار، وذلك على النحو الآتي: أولاً: التوقف عن خلق ظروف تساعد على انتشار الفساد: للأسف الشديد أن كثيراً من الوكلاء والموردين وكبار التجار قد ساهم بشكلٍ مباشر أو غير مباشر في خلق ظروف ساعدت على انتشار الفساد، حتى أصبح الفساد مصدراً من مصادر الإزعاج والابتزاز، وأصبحوا أكثر فئات المجتمع تذمراً منه، والمشكلة أن تكاليف الفساد ليس لها سقف وتنعكس بشكلٍ مباشر على الأسعار، وبالتالي فإن المستهلك هو من يدفع فاتورة الفساد. ثانياً: تقوية أنظمتها المحاسبية: الكثير من الوكلاء والموردين وكبار التجار حققوا معدلات عالية من النمو في السنوات الأخيرة، واتسع نشاطهم بشكلٍ ملحوظ ليشمل عدة قطاعات في معظم مدن المملكة وخارجها، ولم يواكب هذا النمو تطوير حقيقي في أنظمتهم المحاسبية، مما جعلهم أكثر عرضة لعمليات الاختلاس والفساد الداخلي، وهذه الأوضاع تجعلهم أقل قدرة على استيعاب تقلبات الأسعار في الأسواق العالمية، والأسوأ من ذلك أن الارتفاعات الطفيفة في الأسعار العالمية تنعكس على شكل ارتفاعات حادة في السوق المحلية لاستبعاد آثار الاختلاسات والفساد الداخلي على الأرباح، ومرة أخرى يدفع المستهلك فاتورة ضعف الأنظمة المحاسبية وانخفاض مستوى الرقابة الداخلية. ثالثاً: تقوية أنظمتها الإدارية: معظم الوكلاء والموردين وكبار التجار بحاجة ماسة لتقوية أنظمتهم الإدارية على كافة المستويات، فسوء الإدارة المالية لأعمالهم يعرضهم للانكشاف ويضطرهم للاقتراض بتكاليف عالية. وسوء أنظمة التخزين يتسبب في خسائر عالية، وفي كل الأحول سيتحمل المستهلك تكاليف الاقتراض، والتلف بسبب سوء التخزين وانتهاء فترة الصلاحية. رابعاً: تقليل حدة الخلافات في الشركات العائلية: العديد من الوكلاء والموردين وكبار التجار يعملون في إطار ما يعرف بالشركات العائلية التي انتقلت من جيل إلى آخر، معظمها كان للمؤسس الدور الأكبر في نجاح هذا النوع من الشركات، وفي بعض الحالات استطاع الجيل الثاني تحقيق تطور نوعي في أعمال الشركة مثل شركة أبناء صالح بن عبدالعزيز بابكر، إلا أن بعضها تعرض لخلافات حادة أثرت على نشاط الشركة وانعكست على أنظمتها الإدارية والمحاسبية، وجعلتها أكثر عرضة للانكشاف وتدهور الأوضاع المالية. ولهذه الصراعات تكاليف باهظة يتحمل المجتمع الجزء الأكبر منها في صورة انهيارات مالية محتملة أو ارتفاعات غير مبررة في أسعار السلع والخدمات المرتبطة بأعمال هذه الشركات، والمشكلة أن معظم هذه الخلافات نشأت عن تصرفات غير محسوبة ترتب عليها أفعال وردود أفعال مبالغ فيها تحولت إلى صراعات ونزاعات ليس لها أصول جوهرية، ولذا يجب حل كل هذه الخلافات عن طريق التحكيم بإشراف قضائي لتقليل التكاليف التي يتحملها الاقتصاد وتنعكس بشكل مباشر على المستهلك، ويجب أن نقر بأن تأثير بعض الشركات العائلية على المستهلك لا يقل عن تأثير بعض الجهات الحكومية. خامساً: ضغط التكاليف والبحث المستمر عن بدائل أقل تكلفة: يتعين على الوكلاء والموردين وكبار التجار وكذلك رجال الأعمال البحث بصفة مستمرة عن بدائل أقل تكلفة للسلع الأساسية، واكتشاف مصادر جديدة لتوفير السلع في السوق المحلية، كما ينبغي التقليل قدر الإمكان من مصاريف الإعلانات التي تضاف على السعر النهائي للسلعة خصوصاً أن ما يزيد عن 50٪ من إعلاناتهم لا تنعكس على حجم مبيعاتهم أو الوضع التنافسي لشركاتهم، لذا عليهم التحيز أكثر للمستهلك من خلال زيادة عروضهم التجارية التي تقلل من تكاليف المعيشة للمستهلكين، وتحقق نفس أغراض الإعلانات التجارية. سادساً: حوكمة الشركات: فاقد الشيء لا يعطيه، فالشركات غير المستقرة لا تستطيع تحقيق التنمية والحفاظ على استقرار المستوى العام للأسعار، ولن تستطيع الشركات خلق بيئة عمل مستقرة دون استيفائها لمعايير الحوكمة الدولية. ولا تقتصر حوكمة الشركات على تقوية الأنظمة الإدارية والمحاسبية للشركة، بل تشمل قضايا هامة مثل الشفافية والإفصاح ومعالجة الحالات التي يكون فيها تضارب مصالح بين ملاك الشركة أو أعضاء مجلس إدارتها، والكثير من الوكلاء والموردين وكبار التجار بحاجة ماسة لتطبيق معايير الحوكمة الدولية على شركاتهم، ويمكن لهم الرجوح إلى "لائحة حوكمة الشركات" التي أقرتها هيئة السوق المالية في 12 نوفمبر 2006م للشركات الراغبة في إدراج أسهمها في السوق المالية السعودية، كما يمكنهم الرجوع إلى المنظمات العالمية أو وما يسمى بواضعي المعايير الدولية (International standard-setters) مثل IAS منظمة المحاسبين القانونيين. *مستشار اقتصادي