فقدت جامعة الملك سعود أحد أبنائها الأبرار الذين عملوا بإخلاص وتفان منقطع النظير بعد معاناة طويلة مع المرض فقد فقدت رئيس وحدة السمعيات بمستشفى الملك عبدالعزيز الجامعي الطبيب المثالي على المستشفى في فترة سابقة الدكتور عبدالله بن شايع الشايع، وقد عرفت الدكتور عبدالله رحمه في سني الدراسة بكلية الطب عرفته شاباً صالحاً وجاراً عزيزاً عذب الحديث سريع البديهة لا يذكر أحداً بسوء ولا يسمح لأحد أن يذكر غيره بسوء ولعلنا نذكر بعض المواقف التي يتميز بها رحمه الله ويبز بها أقرانه ,خاصة في زمان تكالب الناس فيه على المصالح الشخصية وفرط مجموعة من الأطباء في إعطاء المريض حقه والانشغال بالعيادات الخاصة. ومن عجائب سلوكه أنه كان لا يسمح بإعطاء مواعيد لمرضاه بل يقبلهم مباشرة من عيادات الأنف والأذن والحنجرة والعيادات الأخرى ودافعه لذلك هو مصلحة المريض فبدلاً من أن يأخذ المريض موعداً للفحص بعد إحالته من طبيب الأنف والأذن والحنجرة أو طبيب الأطفال ثم يأخذ موعداً آخر مع الطبيب الذي أحاله كان الدكتور عبدالله يعمل فحص وتخطيط السمع مباشرة ثم يحيل المريض إلى طبيب الأنف والأذن والحنجرة أو الأطفال أو غيرهم مباشرة فأنجز عمله ووفر على المريض معاناة الذهاب والعودة وأخذ موعدين قد يكونا متباعدين وقد يقول قائل هل يستطيع أن يرى كل من أحيل إليه من المرضى فالجواب نعم وتعليل ذلك سهل فهو متواجد في العيادة من الصباح الباكر ولا يخرج إلا لضرورة ملحة بل حتى أنه لا يأخذ إجازة إلا قليلاً وقد ذكر أحد موظفي المستشفى أنه على مدى 13 عاماً لم يمر على مكتبه إلا ووجده حاضراً ولديه رصيد متراكم من الإجازات يزيد على ستة أشهر. حينما كنت كبيراً للأطباء ومديراً لمستشفى الملك عبدالعزيز الجامعي جاءني طلب إجازة منه فتأملت الطلب وإذا به طلب إجازة لحضور دورة تدريبية على جهاز تم شراؤه حديثاً للمستشفى فاتصلت به مستفسراً لماذا يأخذ إجازة فأجاب بأنه قد أخبره أحد منسوبي القسم بأن ذلك أسرع فاستفسرت من القسم فاتضح أنه فعلاً أخذ من إجازته وقد وقع القسم على طلب الإجازة فرددتها على القسم وأخبرتهم أن من حقه أن يذهب في دورة تدريبية وليس من اجازته وتم إلغاء طلب الإجازة. أما قصته مع المرض فقصه عجيبة, فقد أصيب بسرطان الغدد الليمفاوية وقد صبر على هذا المرض وكان مثالاً يحتذى في الصبر ,ومكث أهل بيته من زوجته وأبنائه لا يعلمون عن مرضه عدة سنوات وهو يراجع مستشفى الملك فيصل التخصصي بل وأخذ علاجاً كيماوياً فلما مضت عدة سنوات وبدأت آثار المرض تظهر بصورة جلية بلغ أهله بذلك. وقد كان طبيبه المعالج يأمره بأخذ راحة وعدم الذهاب للدوام فكان يقول ما دام أني أستطيع الذهاب للعمل فسأذهب وكان يقول طبيبه ما رأيت مريضاً في حياتي أجلد من هذا الرجل. وعندما زرته بعد أخذ العلاج الكيماوي وقد ظهرت عليه آثاره كان رحمه الله صابراً محتسباً بل كان بشوشاً مبتسماً, وحين سألناه عن حاله قال أنا بخير ولله الحمد وهذا قبل أن تزداد حالته سوءًا بوقت قصير. وكان رحمه الله صاحب هم ,حريصاً على إيصال الخير للناس وتبليغه لهم, وقد ساهم مساهمة فاعلة في دعوة الجاليات والإحسان إلى غير المسلمين مما كان له أكثر الأثر في دعوتهم وإعجابهم بدين الإسلام، وقد كان يهتم بأحوال المسلمين ويتابع أخبارهم حتى آخر أيام حياته. وكان يعامل المرضى سواسية السعوديين منهم والمتعاقدين اخبرني أحد الزملاء من المتعاقدين المرتبطين بالجامعة أنه ذهب إليه بابنه الذي يعاني من إعاقة سمعية ويحتاج إلى سماعة للأذنين فقام الدكتور عبدالله رحمه الله بنفسه يبحث في الأدراج عله يجد ما يناسبه ووجد سماعة قديمة أعطاه إياها, ثم إذا بوالد المريض يفاجأ بأنه يتصل به ويطلب منه الحضور لاستلام السماعة المناسبة لابنه. شيع جنازته جمع كبير وحضر عزاؤه جموع غفيرة وقد سمع أبناؤه وأهله عبارات العزاء ما خفف مصابهم وأثلج صدورهم فكثير من المعزين قال نحن نعزى فيه, وبعضهم قال مصيبتنا فيه أكبر من مصيبتكم. رحم الله الدكتور الشايع وعوض أهله ومرضاه خيراً وأسبغ عليه شآبيب رحمته وجعل الفردوس مأواه. * عضو هيئة التدريس بكلية الطب – جامعة الملك سعود