** قلتُ الكثير.. مما كان يجب أن أقوله عن كارثة سيول جدة الثانية وقد كنت أحد شهود المأساة وضحاياها.. ** لكن ما لم أقله حتى الآن هو أن ثقافة التعامل مع الكوارث مازالت صفراً.. عند أكثر الأجهزة الحكومية.. قبل ان تكون عندنا كمواطنين.. ** وان انعدام (المصداقية) يسجل ارتفاعاً عالياً في التهرب من المسؤولية أو (الكذب) على الحقيقة .. في بعض الأحيان.. ** وان ثقافة التبرير للعجز وأوجه القصور المختلفة.. تسجل - هي الأخرى- أرقاماً متصاعدة.. وكأنها تستغفل عباد الله .. ولا تحترم وعي الناس.. ** وان حالة الاستنزاف لأموال الخزينة العامة.. وعدم الرقابة والحساب على أي ريال ينفق في وجهه غير الصحيح.. مازالت تشكل مطلباً يتقدم على كل المطالب الأخرى.. ** وان المواطن مازال مغيباً عن الكثير من الأمور.. والأوضاع .. والمعلومات التي هي حق من حقوقه.. وحقوق مواطنيه لاسيما اذا كانت تلك المعلومات تتصل بحياته.. وبمستقبل أبنائه.. وبل وبمستقبل ومصير البلد ومصادر الخير فيه.. ** وان التقدم في أي بلد لا يقاس بحجم الانفاق.. وإنما بما يتوفر له من فكر خلاق.. ومن إرادة صادقة.. وإخلاص تام..ورغبة قوية في البناء وليس في الإثراء على حسابه.. واستغلال السلطة فيه.. ** وان الوطن فيه من الشباب القادر والمؤهل والحريص والمخلص من يستطيع النهوض به.. وحمل الأمانة فيه.. وان الوصول إلى هذه الطلائع ليس صعباً.. وإعطاؤهم الثقة بات يشكل ضرورة مهمة.. وان المطلوب هو ان تقوم اختياراتنا لمن نريد لهم ان يعيدوا بناء مستقبل هذا الوطن على الكفاءة والوطنية قبل أي شيء آخر.. وسوف نجد منهم الآلاف المؤلفة في كل مجال.. وتخصص .. وفي كل مدينة وقرية بالمملكة وقراها.. ** إنني لا أتحدث هنا بفعل الوقوع تحت تأثير الصدمة.. وإنما اتحدث عن حال الوطن كله.. وفي كل الأوقات.. ** فنحن بلد لا يماثله بلد في الدنيا.. بما وهبه الله من روحانية.. وبما أنعم به عليه من مزايا ومن ثروات.. ** ونحن بلد توجد فيه قيادة صادقة.. ومؤمنة..ومخلصة للوطن وأهله وتعمل من أجل الكل بتفانٍ مشهود.. ** ونحن أيضاً بلد وهبه الله شعباً أميناً.. ووفياً.. ومحباً.. ** فكيف لا نحرص عليه؟! ** وكيف لا نحافظ على قيمه.. ومكتسباته.. وأمانتنا تجاهه؟! ** بالقطع .. نحن جميعاً نريد له الخير.. والتقدم.. والازدهار.. ** لكن الرغبة.. والارادة.. وحدهما لا تكفيان للمحافظة على بقائه.. وليس فقط على تقدمه.. ونمو أوجه الحياة فيه.. وإعزاز شعبه.. وتأمين سلامته.. ** تخيلوا.. أنفسكم في بلد يغرق.. ومواطنين لا يعرفون مصيرهم اليوم من الغد.. لا يعرفون هل يذهبون لأعمالهم.. ومدارسهم.. أو يجلسون في منازلهم.. وهل يسافرون إلى مدن أخرى أو يتوقفون عن ذلك.. وهل يخزنون أغذيتهم واحتياجاتهم أو يتركون الأمور لطبيعتها العادية دون ان تقول لهم هيئة الأرصاد وحماية البيئة كيف ستكون حالة الطقس بعد ساعة أو يوم أو يومين؟! ** حدث هذا – كما قال وكيل الهيئة لوسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة يوم المأساة وبعدها.. بأن الهيئة تأسف لعدم تحديث المعلومات والبيانات بسبب تعطل الأنظمة وشبكة الاتصالات الخاصة بتحديث موقع الهيئة لتراكم مياه الأمطار بمواقع الأنظمة وشبكة المعلومات نتيجة الأمطار الغزيرة التي هطلت على محافظة جدة.. ** وحدث عندما تعطلت حركة الطيران بين جدة وسواها.. بسبب تعطل الأجهزة الخاصة بالاتصالات..بفعل الأمطار.. ** وحدث عندما شلت حركة المرور.. في وقت مبكر.. وعرضت حياة آلاف الناس للخطر.. ** وحدث عندما عجزت إمكانات الأجهزة الحكومية الأخرى عن مواجهة الأمطار فكيف اذا وقعت السيول أيضاً؟ ** فبالله عليكم .. كيف يمكن لهذا المواطن ان يطمئن على حياته في ظل مثل هذه الحالة ( الراثية).. وهذا النمط من الادارة.. وذاك المستوى من الاهمال وعدم القدرة على توفير السلامة العامة لأجهزة حساسة ومصيرية تتعرض لخراب كهذا.. في أوقات حساسة ودقيقة..وتتصل بحياة البشر.. ومقدراتهم.. ** إذا تخيلنا ان هذه الروح قد تكون موجودة في مواقع مماثلة حساسة ترصد وقائع الخطر.. أو الجريمة.. وتحافظ على أمن وسلامة البلد.. فكيف يمكن لنا بعد ذلك ان نطمئن.. وننام في (هودج) كما يقولون.. ** وما حدث في الارصاد الجوية.. وقع في جامعة الملك عبدالعزيز.. ويقع في كثير من الأجهزة الحكومية.. والمحاكم.. وكتابات العدل.. وحتى في البنوك والشركات.. ** فأنت تسمع كلمة (تعطل جهاز الكمبيوتر) في كل مكان تذهب إليه لقضاء مصالحك فيه.. والسبب في كل هذا ليس في (خراب) الأجهزة وإنما في الاهمال العام.. وفي خراب الذمم.. وتردي الضمائر في بعض الأحيان.. ** وقس على ذلك أموراً كثيرة.. وفي مقدمتها ارتفاع تكاليف المشاريع عن المألوف لمثلها في بلدان قريبة أو بعيدة عنا.. ** وقس على ذلك أيضاً.. تغيب العشرات من أساتذة الجامعات والمدارس وكبار الموظفين عن أعمالهم.. وانشغال أكثرهم بمصالحه الخاصة أو تنمية موارده على حساب وظيفته وأمانته ومسؤوليته الاساسية.. ** وقس على ذلك .. المماطلة.. والتأخير في الانجاز.. إما بسبب البطء في انجاز الدراسات واستقصاء الحقائق.. وإما بسبب التعقيد المتعمد في الاجراءات.. وإما بسبب المساومة .. والمقايضة .. على نسب عمولات (قذرة) لايمكن أن يصدقها عقل.. أو يقبل بها نظام.. ** كل ذلك يحدث.. وبدلاً من ان نعالجه.. ونستأصل جذوره.. فإننا نتغافل عنه.. وقد نبرره .. والأخطر من ذلك أن نعمل على تكريسه كثقافة يومية معتادة وان أدت في النهاية إلى انهيار البلد لا سمح الله.. ** إن وطناً كوطننا.. وقيادة كقيادتنا.. وشعباً كشعبنا.. لا يستحقون كل هذا الذي يحدث.. ** إن القرار بأيدينا.. اذا نحن صدقنا مع أنفسنا.. وخفنا على وطننا.. وأخلصنا لقيادتنا.. وعملنا على اصلاح الوضع برمته.. ومن أساسه.. وليس لمعالجة بعض أوجه الاختلال دون بعضها الآخر.. وليس تحت وقع وتأثير المصائب والكوارث التي تحدث لدينا أو على مقربة منا.. ** نحن أيها الأحبة في الله.. وفي الوطن.. وفي العقيدة.. والدم.. والتاريخ.. نحن بحاجة إلى عقول جديدة.. ونفوس جديدة.. وضمائر جديدة.. كما قلت على مدى الأيام الثلاثة الماضية وليس أكثر. ضمير مستتر: **(تستطيع أن تستقيل من عملك مهما كبر أو عظم مردوده.. ولكنك لا تستطيع ان تتخلص من دمك.. ومواطنيتك).