عندما نتحدث عن كبار السن؛ فإننا نتحدث عن مرحلة من العمر يصعب تحديدها بالأرقام، وإنما بمستوى النشاط، وسلامة الذهن، وهي مرحلة حرجة وحساسة؛ تتطلب اهتماماً خاصاً من المحيطين بهم، إما صحياً أو نفسياً، أو ترفيهياً، وفي كل الأحوال يبقى احترامهم وتقديرهم هو الأهم؛ لأن "زعل كبار السن" يجلب لهم الإحساس المضاعف بالمعاناة، و"ضيقة الصدر" التي تترك دموعهم تنساب دون توقف كلما تذكروا موقفاً جرحهم، إو إساءة قللّت من قيمتهم، كما أن الجيل الحالي عليه أن يدرك أن كبار السن سريعي الغضب حيال أي شيء لا يوافق هواهم، وعادة تتزايد حدة الغضب إذا كانت مخالفة للعادات والتقاليد، أو التقصير من الأبناء. في هذا التحقيق نعرج على بعض القصص التي تبين مدى "زعل كبار السن" وكيفية امتصاص غضبهم و"مداراة خواطرهم"، خاصة في مرحلة الشيخوخة. تحريض والدي! في البداية يقول "فهد الشهراني" يقول إن والدة والدي تعيش معنا، وهي حازمة، ولا يروق لها لبس أخواتي، ودائماً ما تحرض والدي عليهن، وتفتح مشكلة مع والدتي بسبب الموضوع، وتكرر حكايات الجدات حول ماذا كن يلبسن قديماً وكيف كان حياء المرأة، مشيراً إلى أن "أهل البيت" لا يبدون تذمراً منها ونأخذ الموضوع بهدوء، ونحاول تنفيذ ماترغب به، وأحياناً نضحك من كلامها، خاصة عندما تكون منزعجة كثيراً من تصرفات أخواتي المراهقات؛ حتى أن والدي يقوم بالجلوس معها لفترة طويلة حتى يرضيها ويخفف من حدة غضبها. حساسية مفرطة أما "خالد العتيبي" -طالب جامعي-،فيقول: أبي كبير بالسن وأنا أصغر أخواني، ووالدي سريع الغضب، وأحياناً يفقد السيطرة ويقوم بالضرب؛ لذلك أصبحنا نتلافى مكوثنا معه طويلاً، حتى يهدأ ثم ندخل عليه ونناقشه بهدوء بالموضوع، وغالباً ما نوسط الوالدة بيننا، فغضبه حول أمور لا تكون ذات قيمة، كتأخر السائق أو الأكل، وأحياناً على أنه نادى أحداً منا ولم يجبه بسرعة، فقد أصبح حساساً جداً، ويغضب لأتفه الأمور، وحتى خروجه من المنزل أصبح قليلا جداً؛ لذلك نحاول أن نجلس معه ونستغل فترة الإجازات الصيفية وآخر الأسبوع لنشعره بأنه مازال هو الأهم بالنسبة لنا. امتصاص الغضب وتقول "سعاد عمر": دائماً عندما أقوم بزيارة أهلي وأجتمع مع بقية أخوتي المتزوجين، ويكون معنا أطفالنا فإن والديّ يغضبان وينفعلان؛ بسبب سوء تعامل الأطفال أو حتى عندما يعلو صراخهم، لذلك نقوم بمداعبتهم وامتصاص غضبهم بإبعادهم عن مكان تجمع الأطفال. وتشاركها الرأي "سميرة أبو الفدا"، قائلة:"لدي والدة زوجي وهي من النوع المنظم والمرتب، وتغضب إن رأت الفوضى تعم المكان، وتصبح عصبية بشكل لا يوصف، لذلك عندما تكون بهذه الحالة نحاول تهدئتها ولكنها لا ترضى بسرعة، ولا تكلمنا باليوم واليومين. مسن في مشراق منزله (خاطره متكدر) دون أن نحتويه أمور تافهة ويحكي لنا "منصور القحطاني" قصته مع والده الذي يجد تأخره عن المنزل من الأمور التي لا تغتفر، وقال:"والدي له نظام محدد حتى بعد تقاعده؛ فعلى الساعة العاشرة يغلق الأبواب ويأمرنا كالأطفال بالخلود إلى النوم، ولذلك غالباً ما تتصادم الأراء معه، ولكنني في الفترة الأخيرة بدأت أجلس معه كثيراً، ونتناقش بأمور كثيرة، وجعلني انتزع منه الموافقة على السهر مرتين بالأسبوع، ولكنه مازال يغضب على أمور أعتبرها تافهة. واقع جديد ويعلق "صالح الرميح " -المستشارالنفسي- على تلك القصص والمواقف، قائلاً: "المسن في هذه المرحلة من العمر يتوقع أن يقابل بالعرفان والتقدير ممن أفنى حياته في خدمتهم، والسهر على راحتهم، وتأمين لقمة العيش لهم"، مشيراً إلى أن المسنين أقل مرونة من غيرهم في هذه المرحلة، ويصعب عليهم تقبّل التغيير في أسلوب الحياة والأفكار والسلوكيات، وإن فرض عليهم الواقع ذلك التغيير فإنهم يواجهون بالرفض وعدم القدرة على التكيف، وبالتالي الشعور بالاضطراب والقلق والخوف أو حتى الكآبة والغضب. وأضاف:"ان ما يحدث للمسن هو فقدانه للعمل أو الزوج أو ابتعاد الأولاد أو عدم الأمان المادي، ثم نظرة المجتمع والبيئة العائلية له، ثم قيمة الدور الذي يلعبه لنفسه وللآخرين، وبقدر الإيجابية أو السلبية في هذه العلاقة بين المسن والمجتمع بقدر ما تكون عليه الحالة النفسية"، داعياً إلى مساعدة المسن للوصول به إلى درجة التوافق النفسي والاجتماعي والتكيف مع البيئة التي يتعايش معها. بركة البيت أما "علي أبو حكمة" -الأخصائي الاجتماعي-؛ فيقول:"إن تواجد كبار السن في الأسرة من أب وأم وجد وجدة تمثّل نعمة كبرى، فهم بركة البيت وإشراقته، حيث يكون كبير السن عزيزاً ذا قيمة وشأن، ويشاور في كل أمر ويطاع، ويسمع له في كل حين تلبى حاجياته بأمر منه وحتى دون أمر، وتقديمه على كل الأفراد في كل نواحي الحياة؛ لذا لابد من التواصل الدائم معهم، وإشعارهم بالأمن والأمان والسكينة، فهم بحاجة لعطفنا وتقديرنا وحمايتنا لهم والترويح عنهم، وعدم إشغالهم بمشاكل الحياة، وتقبل غضبهم ومحاولة تنفيذ مايقولونه، ومناقشتهم وقت الهدوء بالأمور التي اختلفت ولم تعد تصلح لزمننا هذا"، مطالباً أفراد المجتمع باحتضان كبار السن، والوعي بالتغيرات المحيطة بهم، ويتذكرون أنهم دائماً بركة البيت. قدوة الأجيال وعلى صعيد الصحة النفسية يقول "د.مسعد النجار" -استشاري الصحة النفسية بمركز الاستشارات العائلية-: إن الاهتمام بالصحة النفسية من أهم النقاط التي لابد من التحدث عنها والتعمق بها فلها آثارها على المسن، والمقصود بالصحة النفسية هنا هو مدى قدرة المسن على التوافق مع نفسه، والمجتمع الذي يعيش فيه، وهذا الأمر يساعد على التمتع بحياة خالية من الاضطرابات النفسية، وأن يرضى عن نفسه ويتقبل حياته وذاته والآخرين له، ويحقق التوافق الاجتماعي. وأضاف:"من أهم متطلبات التقدم في العمر التكيف مع التغيرات الجسمية التي تظهر كنتاج تقدم العمر والسن، وتوقع المزيد منها نتاج تداخل التغيرات البيولوجية والنفسية والاجتماعية"، مشيراً إلى أنه لابد من وجود المسنين داخل بيوتهم وجلوسهم مع أسرهم وأحفادهم حتى وان لم تعد لديهم القدرة على العطاء كما سبق، أو إبداء الآراء السديدة والأفكار الجيدة، كما ان أغلب المسنين يرغبون في العمل ومواصلة النشاط لأطول فترة ممكنة بعد التقاعد والاعتزال، وأن الحاجة للانجاز تميز النمط الواقعي لهم حتى لو كان العمل الجديد في مراتب وظيفية أدنى من التي كانوا يشغلونها قبل التقاعد أو اقل أجراً؛ لان ذلك يساعدهم على الإبقاء على الشعور بوجود هدف خلال تلك المرحلة المتأخرة من العمر، كما أن انشغال المتقاعد بالأنشطة اليدوية والهوايات الإنتاجية كالخزف والزراعة يعتبر دون شك نوعاً من الرضا والسلوك التوافقي.