كثيرا ما أتساءل إن كان الله قد خلق شيئا أحن وألطف وأرحم من الجدات؟ وكثيرا ما أتساءل إن كان تعلقنا بهن يعود إلى قصص الجان والغيلان التي سمعناها منهن أيام الطفولة في "حوش" منزلها الواسع! ... أنا شخصيا مازلت أتذكر قصص جدتي، ورائحة حجابها، ومنظر النجوم قبل نومي على فخذها.. ومن القصص التي أتذكرها عنها (والتي حرم منها أطفال الانترنت هذه الأيام) قصة غول خبيث له تسعة رؤوس كلما قطعوا له رأسا ظهر له آخر.. والعجيب أنني صدقت بوجوده حتى سن متأخرة حين بدأت أقرأ عن وجود ديدان وزواحف تستطيع عند الحاجة تعويض العضو المقطوع من جسدها، ومثال ذلك بعض الديدان الشريطية التي إن قطعتها ينمو لنصفها السفلي رأس جديد ولنصفها العلوي ذيل مختلف! وفي الحقيقة .. جزء من هذه الموهبة موجود لدى الانسان وتتضح في نمو العظام والاظافر والجلد المكشوط. غير ان العلماء يأملون في تنشيط عملية التعويض بالكامل بحيث يتاح عند الحاجة استبدال الاعضاء المتقدمة كالاطراف والكبد والبنكرياس.. وكان العلماء في الغرب قد نجحوا (منذ 15 سنة حسب تقديري) في عزل وإكثار الخلايا الجذعية وتوجيهها لاستنبات الأعضاء الجديدة.. والخلايا الجذعية (وهي الأصل والأساس) التي تظهر في بداية تكون الجنين وتتخصص لاحقا لتشكيل العيون والطحال والعظام وبقية الأعضاء... أما علاقة كل هذا بالتيراتوماتا (الذي اخترته للعنوان) فلمجرد تقريب الفكرة وتأكيد إمكانية حدوثها مستقبلا .. فالتيراتوماتا ورم غريب يظهر في رحم المرأة، إن فتحته قد تجد بداخله أسناناً او أنفاً أو شعرا أو عضواً تناسلياً أو أي عضو آخر يخطر ببالك... وما يحدث هنا أن بعض الخلايا الجذعية التي تعود لأيام الجنين الأولى، تبقى هاجعة ولا تتحول الى أعضائها الأصلية. ثم قد يحدث في أي سن من عمر المرأة أن تنشط هذه الخلايا فجأة فتتحول الى ما كان يجب ان تتحول إليه منذ البداية فتظهر بشكل أسنان أو جلد أو شعر أو عيون .......!! وهذه العملية بالذات يحاول العلماء تقليدها وتوجيه الخلايا الجذعية (حسب الطلب)، كي تصبح كبدا أو قلبا أو طحالا أو أي عضو يحتاجه المريض. ونجاحهم في هذه المهمة يعد بظهور صناعة جديدة تستنبت الأعضاء التالفة حسب الطلب بدل انتظار المتبرعين أو اللجوء لأعضاء الحيوانات . وهذا يعني أن بإمكان احدنا مستقبلا -وبل وفي الحاضر كما نقرأ هذه الأيام- استنبات قلب أو كبد أو كلية جديدة بدل أعضائه المريضة .. والجميل في الموضوع أن الاعضاء المصنعة بهذه الطريقة تستنبت من خلايا المريض نفسه وبالتالي لايرفضها الجسم ولا تتم على حساب شخص آخر سليم، ناهيك عن الآثار السلبية لأدوية تثبيط المناعة!! والفرق بين هذه التقنية وجهود الدكتور ماكيتو اساشيما؛ أن الأولى تحاول تلبية الطلب المتزايد على الأعضاء البشرية من خلال استنبات هذه الأعضاء خارجيا في معامل الشركات والمعاهد المتخصصة، في حين يحاول اساشيما إنجاز هذه العملية داخل الجسم نفسه من خلال توجيهه لإنماء الأعضاء البديلة بنفسه، تماما مثلما يعوض البرعص ذيله الذي قطعته بالزبيرية! ... المؤكد أيها السادة أن نجاح أي من هاتين الطريقتين، لا يثبت فقط أسبقية جدتي للفكرة، بل ويضعنا أيضا أمام معضلات فقهية جديدة ... .. ومثال ذلك رجل أقيم عليه حد السرقة ثم عاد واستنبت يده سرا !!