في سياق الاهتمام المتزايد ببحوث خلايا المنشأ Stem Cells، رأى مساعد وزير الصحة المصري الدكتور عبدالحميد أباظة ان هذه الخلايا وبحوثها تملك حظوظاً وافرة لتحقيق إنجاز علمي مميّز خلال العام الحالي، موضحاً ان هذه الخلايا تظهر في مراحل مبكرة جداً من حياة الجنين، وتكون متشابهة في التركيب. وكان أباظة، المتخصص بأمراض الكبد والجهاز الهضمي، يتحدث الى «الحياة» عن البحوث التي قد تحقق إختراقاً علمياً خلال العام 2010، . وبيّن ان خلايا المنشأ تتزايد وتعطي أنواع الخلايا التي تكوّن أنسجة الجسم وأعضاءه، مثل الجلد والمعدة والقلب والعضلات وغيرها. وزاد انها تتحوّل من حال أولى تكون فيها غير متمايزة عن بعضها البعض، ثم تشرع في التمايز بحيث تتخصص كل مجموعة منها في صنع نسيج أو عضو في الجسم. وهذه المزايا هي سبب رهان العِلم القوي عليها. فمن الناحية النظرية، تستطيع خلايا المنشأ تعويض أي عضو يتلف أو يُفقد. ومن ناحية ثانية، تترافق الكثير من الأمراض المزمنة والمستعصية، بنوع من الفقدان في النسيج الطبيعي، أو بحلول نسيج مصاب بدلاً منه. ومن المستطاع نظرياً، تطويع خلايا المنشأ بحيث تعطي النسيج الطبيعي، ما يساعد في شفاء عدد كبير من الأمراض المستعصية. ولخلايا المنشأ القدرة على الانقسام والتكاثر وتجديد نفسها لتُعطي أنواعاً مختلفة من الخلايا المتخصصة كخلايا العضلات أو خلايا الكبد. وقال أباظة انها تعمل كجهاز صيانة للجسم، وان استخدامها في مجال الطب كإجراء علاجي، لا يزال قيد التجربة الإكلينيكية، ولم يصل بعد إلى مستوى استخدامها كعلاج فعلياً. وأكد أن نتائج التجارب الراهنة «تبشر بالأمل في أن تصير خلايا المنشأ منبعاً مستقبلياً لعلاجات آمنة وفعالة، ما يمكن من توظيفها في علاج أمراض الكبد والقلب والأعصاب وأمراض الدم ومرض السكري، إضافة الى زراعة الأعضاء». نخاع العظم علاجاً للكبد وأوضح أباظة أن «هناك نوعين من العلاج بخلايا المنشأ في مجال أمراض الكبد، يتمثل الأول في أخذ خلايا من نخاع العظم من المريض ومعالجتها في المختبر كي تصبح خلايا متطورة، ثم تحقن هذه الأخيرة في الطحال أو في الوريد الممتد بين الطحال والكبد، مع دعم من جهاز الموجات فوق الصوتية الموجهّة، لإيصال خلايا المنشأ إلى الكبد. وبعدها، تأخذ تلك الخلايا في التحوّل إلى خلايا كبد سليمة، وتحلّ محل التالفة». ووصف أباظة هذه الطريقة بأنها «آمنة تماماً لأنها تستعمل خلايا آتية من المريض نفسه، إضافة لكونها سهلة نسبياً وغير مكلفة، لكن نتائج هذا النوع ما زالت محدودة». ولفت أباظة الى ان النوع الثاني من العلاج يتمثل في استيلاد خلايا منشأ جديدة في المعمل، وحقنها في الكبد المريض لتحل محل خلايا تالفة فيه. وبيّن أباظة أن خلايا المنشأ تستعمل حالياً في علاج المضاعفات المستعصية في أمراض مثل غيبوبة الكبد المتكررة Recurrent Hepatic Coma والاستسقاء Ascites وتليف الكبد المتقدّم Advanced Hepatic Cirrhosis. ومع تطور العلم أصبح ممكناً استيلاد خلايا كبد من خلايا المنشأ. ولم يصل هذا الاسلوب الى مستوى يؤهله ان يكون بديلاً من زراعة الكبد، مع ملاحظة وجود كثافة في البحوث الرامية لتطوير هذه التقنية في مستقبل قريب. وتحدث أستاذ جراحة القلب في معهد القلب القومي في مصر الدكتور شريف عبدالهادي ايضاً ل «الحياة» عن خلايا المنشأ، فشدد على انها «تبدأ في الظهور بعد وقت قصير من تلقيح بويضة الأنثى بواسطة الحيوان المنوي للذكر، وتدخل في مرحلة من التكاثر السريع، لتعطي مجموعات من الخلايا المتشابهة وغير المتخصصة، ثم تتخصص، كي تعطي الأنسجة والأعضاء التي تنهض بوظائف الجسم المختلفة. وتُكوّن هذه الخلايا المتخصصة جسد الجنين، لذا تكون موجودة بكثرة في الحبل السري، الذي يربط الوليد بالمشيمة. وهناك مراكز طبية تتيح الاحتفاظ بجزء من الحبل السري الذي يحتوي خلايا منشأ جنينية، فيبقى قيد التجميد في بنوك متخصصة كي يستخدم عند الحاجة». وأوضح عبدالهادي أن «الجسم يحتفظ بعد الولادة بنوع آخر من خلايا المنشأ تُسمى البالغة، وهي موجودة في أماكن عدة داخل جسم الإنسان مثل النخاع العظمي والدم وتحت الجلد والقلب». وزاد ان الخلايا البالغة «تمتلك وظيفة تعويض الفاقد من الخلايا تلقائياً، ومن المستطاع إحداث هذا التعويض عِبر تدخل طبي، باستخلاص خلايا المنشأ من النخاع العظمي وحقنها في الجسم». وأضاف عبدالهادي أن هذه التقنية مطبّقة في كثير من مراكز علاج القلب عالمياً، وأن «معهد القلب» في القاهرة أطلق مشروعاً طموحاً لاستخدام الخلايا المنشأ في علاج أمراض القلب. وقال: «هذه التقنية يعاد تقويمها حالياً للوصول إلى نتائج أفضل، خصوصاً عبر تقنيات متطوّرة مثل تكثير خلايا المنشأ في المختبر ثم حقنها في الأماكن المصابة». وأشار إلى كثير من مزايا خلايا المنشأ مثل أنها تؤخذ من المريض نفسه، ما ينفي الحاجة لزرع أعضاء بديلة. وفي المجال عينه، تحدث أستاذ الجهاز الهضمي في جامعة قناة السويس الدكتور محمد محيي الدين عوض، الذي شارك أخيراً في دورة تدريبية عن زراعة خلايا المنشأ في جامعة فرانكفورت في ألمانيا. ولفت إلى ان هذه الخلايا «تمثل طب المستقبل، ويسميها البعض «طب إستعادة الأنسجة». وأوضح كيفية الزرع، وقال: «مثلاً نستأصل جزءاً من عظام الوجه في أرنب، ثم نأخذ خلايا منشأ من هذا الأرنب، ونكاثرها في المختبر، قبل ان نعيد حقنها. وسرعان ما يبدأ الجزء المفقود من عظام وجه الأرنب في التشكّل مرة أخرى. ويفتح هذا الأمر الباب للوصول إلى تكوين عضو كامل، كي تجري زراعته بدل ما يتلف أو ما يفقد». وأضاف عوض: «بدأنا أيضاً في البحث عن أنسجة قريبة من الإنسان، عبر بحوث لتطوير أنسجة حيوانات مثل الحصان. وفي تلك العملية، يجرى التدخّل في التركيب الجنيني للكائن، ليولد أنسجة بشرية قابلة للزرع في أجساد البشر».