ثمة شيء لا يمكن أن يغيب عنك إن وجدته، أو يخذلك، أو يلتقيك ولا يتعرف عليك! ثمة شيء لا يمكن أن تفقده على الإطلاق إن أحسنت اللقاء به والتعرف على ملامحه! ثمة شيء لا يمكن أن يهددك بالمغادرة، أو الرحيل مهما كانت اللحظة قاسية أو مريرة أو تفتقد توازنها! ثمة شيء من المستحيل أن يفتح أبوابه للزوال، ويطمر كل تلك الأيام على نحو غير لائق! ولكن رغم أن كل منا يتمتع بهذا الشيء، ويمتلكه لكنه يظل جاهلاً لخباياه، وغير متوائم معه! يظل على علاقة غريبة وفارغة أحياناً معه، بل ومنشغل دوماً عن معرفته أو الالتقاء به! علاقة معقدة بين الإنسان ونفسه إذا لم يعرفها أو يتعرف على مفرداتها! علاقة غامضة بين الإنسان ونفسه إذا أصبح فهم هذه النفس مستحيلاً، والسعي إليه صعباً! وعلاقة رائعة ومليئة باجتذاب ما تريده إذا أنت عبّدت الطريق للوصول إلى نفسك. أحياناً تريد أن تعرفها وتحتويها، تحتويك، تتمنى أن تكون أكثر قرباً، وتفاؤلاً، وانشغالاً بك. وأحياناً ترغب في تشكيل ذلك الدفء الإنساني معها، وتلك المفردات التي تتآلف في داخلها لا تحلم إلا بسماعها منها! لكن هل يتم ذلك؟ هل تلتقيان؟ هل تتذكر أن نفسك موجودة أصلاً؟ هل توصلت إلى حدود ذلك السقف الذي تحتمي تحته ويمكنك من خلاله معرفتها وقياس المسافة بينكما؟ ولماذا تعرف عن الآخرين أكثر مما تعرفه عنها! ولماذا تظل تبحث عن الآخر أيضاً متناسياً نفسك التي تكاد تلتصق بك؟ كثيرون اعتادوا أن ينسوا أن أنفسهم موجودة، ودأبوا على الركض خلف الآخرين، ومتابعة مسارهم، والاستماع إليهم، بل والتركيز على ما يقولونه والإصرار على التواجد معهم، وكأن ذلك محاولة لتغيير المسار الطبيعي للحياة التي أولى أبجدياتها، اعرف نفسك، ثم واصل السعي إلى معرفة الآخر بعد أن تكتسي بمعرفة داخلك والانغماس به، وليس التفرج عليه من بعيد كالغرباء! أنت بحاجة ماسة إلى نفسك أولاً، حتى وإن اعتقدت أن الآخر أكثر حاجة إليك. أنت بحاجة ماسة إلى التعايش مع نفسك والإغداق عليها، ومحبتها والتفاعل مع كتاب المعرفة الذي يجعل التواصل معها أكثر سهولة، ومن ثم أقرب في الوصول إلى الآخر عندما تريد ومن خلال معرفتك لنفسك! عليك أن تساير رغبتك في الانكفاء على نفسك بعفوية وبساطة وعدم توقف! عليك أن لا تستمع لمن يتاجرون بالمفردات ويريدون من يسمعهم دون أن يكونوا هم قادرون على سماع أنفسهم! عليك أن تتفق مع نفسك على اتساع حدود المعرفة حتى لا تتوه خطواتك، وتصل إلى خطوط النهاية مترنحاً! عليك أن تبتعد عن المعرفة الوسطية، والرسم بالقلم الرصاص الذي من الممكن أن يُمحى حتى تصل إلى دواخلك! ومن أجل هذا الوصول لا تتوقف أمام تلك المطالبات التي اعتادت على الاستئناس بمشاعر الآخرين، والعبث بما لديهم، وأخذ مكتسباتهم وعطاياهم وسحب ممتلكاتهم من منطلق أن الإنسان الطبيعي والحقيقي عليه أن يُعطي الآخرين قبل نفسه، ويحوّل الحياة إلى نهر عطاء متدفق تجاه الآخر، وجاف داخله. وإذا توصلت إلى إحساس التحصن داخل نفسك ستجد أن الحل في معرفتها، وأن البقاء معها هو الأكثر أماناً، وأن المشكلة في الغالب تأتي من الآخر!!!