غاب عام، وحل عام آخر كعادة الأعوام في تداركها، وكعادة الأيام في ارتباطها، التي نحن في حاجة ماسة إلى أن لا ننساها رغم غيابها، وعلينا أن نتذكرها، رغم زخم القادم الذي لا نعرف ماذا سيحمل لنا؟ أصغي إلى أصوات الأيام الغائبة مهما حملت من شوائب، نتعامل معها وكأنها لا تريد أن تغادر مكانها ليس تشبثاً بها، ولكن تعاطفاً معها، وتعزيزا لتلك اللحظات التي رغم مرارتها إلا أنها صنعت الحياة في جوانب أخرى. حاجتك الاعتيادية مع حلول كل عام ينبغي أن تبدأ من خلال توسيع دائرة التسامح مع الآخرين والانسجام مع نفسك، وإعادة تركيب صورة الحياة التي عليك أن تعيشها، وأن تتجاوز ذلك العقل البارد الذي ما فتئ يقضي على معاني الحياة، ويحبس كل ما هو جميل داخل جوانب روح تستند على حاديتها أكثر من مشاعرها. هل ثمة شيء مفقود خلال الأعوام الماضية عليك أن تجده وتعيشه؟ هل لديك الرؤية القادرة على الاحساس بأن الأيام أيامك، والأرض أرضك؟ هل عليك أن تدير حياتك كما تعرف أو كما تريد؟ أم أن لحظاتك ستتحول إلى مصنع لاستشارة الآخرين في تفاصيلها؟ ستشعر بحنين حميمي إلى وجه بعض الأيام، وإلى لحظات ربما غابت وسعيت أن تحولها إلى زاوية مكتوبة.. سعيت أن تبقيها دون أن تنتظر وتفكر أن هناك مهمات أخرى.. حضر العام ولا يمكن لدفتر الذكريات أن يغيب أو يغادر حتى وإن ذابت تلك اللحظات المليئة بنسائمه ومرارته. ستتذكر أيامك بعد أن وقعتها وغابت ولا يهم إن رسمت وردة صغيرة تحت توقيعك أم لا.. الكاتبة التشيلية ايزابييل الليندي اعتادت أن ترسم وردة صغيرة تحت توقيعها، لأنها ترى أنه طالما رسمت الوردة فإن ذلك علامة تدل على حاجتها إلى ان لا ينساها الآخرون.. تريد أن يتذكر الآخرون من خلال هذه الوردة الصغيرة. ترتبط مسيرة الأيام برمز، أو رغبة في تأكيد البقاء.. تغيب الأيام، ولكن ثمة شيء لا يفقد معها هو الاحساس بها والاحساس يقاومها، نعرف من أين تأتي، وكيف غابت، ولكن لا نعرف ما تحمله لنا، سوى انها تمنحنا ذلك الحق المشروع في أن نجعلها ونصبغها بالنكهة التي نريدها. تحضر الأيام الجديدة وكأنها ذلك الشروق العابر كل يوم والذي أن منح الدفء إلا أنه حضوره مؤقت، ومع ذلك لا يمكنك أن تحمله كإرث وتديره على نمو غير لائق كونك لا تتواءم مع قيمته، أو لا ترضيك تفاصيله. تحضر أيام العام كعادتها وعليك أن يكون لك رأي وصوت في تفاصيلها حتى وإن لم تكن معتاداً على ذلك، وأن لا تعيش لحظات خسارتها بسرعة، حتى وإن اعتقدت ان ذلك ممكن، وان تبذل مجهوداً من أجل ان تستعيد أيامك ان كنت قد أضعتها، وتمنحها الطاقة والنمو كل يوم. وأن تعيشها بالمساحة التي تستطيع أن تفكر فيها، وتتناقش، وتسعى إلى التغلب على مصاعبها، وتجاوز كوارثها. ثمة حزن مؤكد سيصادفك، وستغمض عينيك وستفتحهما وهو لا يزال يخيم على أيامك، ولكن عليك أن تتقبله وتتعامل معه بقوة وتعترف به ولا تهرب منه حتى تستطيع أن تكمل ما سيأتي، وأن لا يظل عبئاً عليك لا تستطيع تحمله. غاب عام وأتى آخر ورغم هذا التتالي تشعر أن المشاعر هي فقط وقود كل الأعوام، وان الحياة الخالية منها من الصعب ان تعيشها مهما كانت جامحة في عطاءاتها، ومهما كان فيها ميراث الفرح والجمال، فقط تمسك بمشاعرك لأنها عدسة الحياة التي يجب أن ترى بها وتسعى إلى تنميتها وتعزيزها وتغذيتها لأنها هي ما تحتاجه..