تصر على سماع صوتك فقط في أغلب الأحيان، لست متجاهلاً لأحد، ولست مهمشاً لأحد. تصر أن تسمع صوت نفسك، ولا صوت غيره. كثيراً ما استمعت إلى أصوات الآخرين وبهدوء، وبمحاولة جادة منك لتوظيف ما يقال، وتحليله. وإعادة صياغته. تستمع إلى الآخر لتتحرى كيف يفكر؟ وماذا سيقول؟ وكيف سيصعب الأمر؟ ويختلق له طروحات جديدة. كثيراً ما نحاصَر بهموم، ومشاكل. وكثيراً ما نحتاج إلى سماع الرأي الآخر. وهو يظل الآخر، لأنه لن يخرج عن وجهين، الوجه المضاد لما أنت تفكر فيه، وتريد أن تسمعه أحياناً، والوجه الذي يلتقي مع ما تفكر فيه ويعززه وهو المغادر. أما الرأي الذي تستحق أن تسمعه فهو الذي لا يصل إليك، ولا تستطيع تفنيد مفرداته. وليس بإمكانك حل لغز تهويمه. رأي خال من الملح، وكما يقول المثل العامي (لا يودي ولا يجيب) وهو في الغالب نتيجة فعلية لاتكائك على من لا رأي له، وليس بإمكانه أن يفند الأشياء، أو يقرأ صفحاتها. خصوصاً وأنه غير قادر على القراءة بالفعل. تستمع إلى الآخر كما قال لك صديق ذات يوم لديك القدرة على ذلك، لكن في النهاية لا تستمع إلا إلى نفسك، ولا تحلل إلا صدى صوتك. تشعر أنك تدرك تماماً ما تريد، وتفكر طويلاً للوصول إلى ذلك.. لست متعجلاً ولكن متردد بوعي. لست أحادي التفكير، ولكن تحاول الاستماع إلى الآخر أحياناً ومن ثم العودة إلى نفسك، بعد أن كنت قد كونت رأياً متكاملاً عما تريد. البعض اعتاد أن يرمي ما لديه من هموم، وقضايا على الآخرين، يحاصرهم بها في الهاتف، في الجلسات الخاصة، في اللقاءات العابرة، وكأنه يمارس إحساس الخلاص مما لديه، ومنحه للآخر، الذي يعتقد أن لديه الحل السحري. في لحظات هذا الرمي السريع، لن تستمع إلا إلى ما يُرمى عليك دون تفكير، ولن تحظى إلا بعدم اهتمام، وعدم تجاوب، أو تهميش. أستغرب ممن يحاول إلغاء تفكيره تماماً حتى وإن كان في حاجة ماسة إلى رأي آخر يدعمه، أو يساعده، أو يفتح له الأبواب المغلقة، لكن لا يكون على حساب أن يغلق هو مسامات ذاكرته، ويجنب نفسه المواجهة مع ذاته، والمساءلة لدواخله لمعرفة ما يجري بهدوء، وبدون تعجل في تحديد اللحظات الفاصلة للمواجهة. علينا أن ندرك دائماً أن بالإمكان رؤية تلك الصورة البعيدة وملامستها، بفعل التفكير الفردي الهادئ، أو حتى مزج ذلك بما استمعت إليه دون إسقاطه عليك وتجريد نفسك من حقها في اتخاذ القرار. علينا أن ندرك أن كل إنسان بإمكانه أن يسمع صوته، ويواجه مشكلاته فعلياً، دون الرضوخ والانتظار لما سيأتي به الآخر من حلول قد لا ينبغي الإذعان لها. عليك أن تتعلم الاستماع والإنصات إلى صوتك الداخلي، وإلى صدى نفسك، لأنك إذا فشلت في ذلك ورفضت الاستماع، فلن تعرف إطلاقاً ماذا تريد، وسيتنامى داخلك إحساس بالعجز الكامل الذي يلغي أي قدرة على التعامل بإيجابية مع كل الظروف التي حولك.