عندما تتعمد بعد زمن من المعرفة النظر إلى وجهه تكتشف أنك تحدق في غابة بلا أشجار، وتكتشف أن الضوء المنبعث من ملامحه يصل إليك باهتاً حتى إنه قد يحجب الرؤية! حاولتَ مراراً أن تعرف ما لديه، أو ما يدور داخله ليس بدافع الفضول، أو التطفل، ولكن من منطلق أنكما أصدقاء، أو زملاء، أو حتى أقارب ومع ذلك فشلت في تحليل تفاصيل داخله، أو الوصول إلى أعماقه! في الأسرة الأمر لا يختلف، إخوان، وأخوات، تختلف طبائع كل منهم عن الآخر، حيث نجد أن أحدهم متصالح مع نفسه، وقريب منها ومن الناس وآخر يعيش حالة من الوضوح المستمر، ودائماً ما يفتح أبواب التعامل السلس معه ليدخل الآخر إليه! وآخر نجده عصبيا ومتوترا وعاجزا عن فهم نفسه، وبالتالي لا علاقة له بإيصال ما يريد إلى الآخرين أو فهمهم، لأنه هو لا يعرف ماذا يريد ولا يتعامل مع نفسه إلا من خلال اللحظات الراكضة! أما الآخر وهو الذي لا تلوح إشاراته مهما اقترب، أو اقتربتَ منه هو من لا تعرف بماذا يفكر، أو هل يعيش نفس الاحساس الذي يرسمه على ملامحه؟ هل هو سعيد ما دام يضحك بهذه الطريقة الهستيرية؟ هل هو مريض مادام مكتئباً منذ أيام؟ هل هو يمثل دوراً في الحياة لا يمكن أن ينتقل منه إلى دور آخر بحكم أن الحياة مسرحية متعددة الأدوار؟ قد يستكثر الفرح على نفسه فيغيّبه، ليس خوفاً من الحسد أو أعين الآخرين، ولكن لأنه اعتاد أن يخفي مشاعره التي يعتقد انها تعنيه وحده فقط، ولا علاقة للآخر بها، وبالتالي مهما اتسعت لديه الفرحة لا يمكنه أن يعيشها ويستمتع بها، وتظهر أنوارها على وجهه! مأساته تقتله أيضاً عندما تتمكن منه فهو قد يدور في دائرة إحساس الاستهتار بالألم من خلال التعايش مع عبثية الموقف، والضحك، والسخرية من نفسه للهروب مما يشعر به، ومع ذلك عندما يُسأل ما به؟ يقول: لا شيء، نفس الركض الحياتي اليومي، ونفس الدوامة التي نعيشه فيها! الأهم من ذلك أنك لا تعرف مشاعره نحوك رغم أنه قد يضمر لك الخير، وقد يحبك، ويتصرف بطريقة بها كثير من الود، لكن مفرداته لا تعكس ذلك، ولا تنم عن مشاعره الحقيقية، التي ينبغي أن يتم التعامل معها بسهولة وإحساس صادق تجاه الحياة بشكل عام، وتجاه الآخرين وبالذات في مشاعر الحب وعدم تقبل الآخر، أو الاقبال عليه، حيث ينبغي أن يكون الإنسان صادقاً مع نفسه، فمن لا تحبه ليس بالضرورة أن تقول له ذلك من منطلق اللياقة وعدم التجريح ولكن عليك أن تتعامل معه بطبيعتك، وأن لا تمثل دور تقبلّه، فلربما كانت المشاعر متبادلة، ومن توده عليك أن تصل إليه من خلال هذه المشاعر الإنسانية الصادقة حتى تستمتع بها أولاً وتشعر أنك إنسان طبيعي! يقول أحد الباحثين إن الذين يقومون بإخفاء مشاعرهم الحقيقية خلف ابتسامة مصطنعة عليهم أن يتوقوا الحذر لأن هذه الحياة المزدوجة قد تقتلهم! حيث إن انتقال الحماسة والاهتمام في الوقت الذي يتم فيه إخفاء مشاعر الغضب والاحباط والملل يمكن أن يكون خطراً للغاية، لأن إخفاء مشاعرك الحقيقية تجاه شخص، أو وضع ما يمكن أن يرفع ضغط الدم إلى درجة الانفجار، وقد يؤدي إلى الاصابة بمرض القلب! وأكثر الناس عرضة للإصابة بأمراض القلب والضغط هم من يُطلب منهم ان يكونوا في وظائفهم بوجهين كجزء من عملهم، مثل المطاعم الشهيرة ومدن الترفيه، والمضيفات الجويات، وبعض الوظائف الأخرى، حيث إن عليهم دائماً إبداء مشاعر تجعل الضيوف يشعرون بالراحة، وأن يتقمصوا ملامح الود والانشراح والتعاطف الدائم، ويخفوا مشاعرهم الحقيقية التي يعتقد المسؤول عنهم انه لا علاقة له بها، ومن أجل أن يتوازن مثل هؤلاء ولا يتعرضوا لمزيد من الضغط جراء ارتداء وجهين عليهم أن يأخذوا إجازة من عملهم، وتفادي الأوضاع المثيرة للضغط والإجهاد!