دول مجلس التعاون مهيأة لتلحق بركب الدول المتقدمة لما حباها الله من استقرار سياسي وثروات طبيعية، وقيادات تحرص على مصالح شعوبها، والسؤال؛ كيف يمكن أن تستمر المسيرة وكيف نصل إلى نادي الدول المتقدمة، ومن سيصل أولاً؟ يبدو أن دول مجلس التعاون تسعى حثيثاً للوصول إلى نادي الدول المتقدمة، وإن كانت تختلف من دولة إلى أخرى، لكن الدلائل تشير إلى وجود سباق نحو التميز، والعدوى تنتقل سريعاً من بلد إلى آخر، فما يحدث في إحدى دوله تتأثر به سائر دول المجلس، وبالأمس القريب احتفلت دولة قطر بفوزها لاستضافة كأس العالم لعام 2022 رغم المنافسة الشديدة من دول كبيرة كالولايات المتحدة واليابان وأستراليا، مع ما يتطلبه هذا الفوز من تنظيم وبناء، وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على ثقة العالم بقدرة قطر الاقتصادية والإدارية والتنظيمية على استضافة حدث بهذا الحجم، وعلى مستوى العالم. وفي كل دولة من دول مجلس التعاون نهضة عمرانية وعلمية واقتصادية، ومن يرى المدن الصناعية التي بنتها المملكة وخصوصاً في الجبيل وينبع، وأخيراً في رأس الزور، ويرى مقدار ما يصرف على التعليم العام والعالي وخصوصاً الجامعات وعلى رأسها جامعة الملك عبد الله التي لا يوجد لها مثيل في دول العالم النامي، بل قد تكون البوابة التي ستلج منها المملكة إلى عالم المعرفة وبوابة المستقبل لما بعد البترول، والمملكة هي الأولى على مستوى العالم في عدد الطلبة المبتعثين على حسابها للخارج. وبالأمس القريب تسلم أمير الرياض صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز جائزة آغا خان للعمارة للتأهيل البيئي لوادي حنيفة ضمن خمسة مشاريع على مستوى العالم، تم اختيارها من قبل هيئة مستقلة من بين 401 مشروع تم ترشيحها من دول مختلفة. أما ما يجري في مكةالمكرمة من إعادة تنظيم وبناء فهو سباق مع الزمن لوضعها ضمن العالم الأول وما تستحقه من مكانة كقبلة للمسلمين أجمع. وما يحدث في المملكة نراه في الإمارات العربية المتحدة وفي عمان والبحرين والكويت، هناك تفاوت بين كل دولة وأخرى، لكنها جميعاً تحتل المراكز الأولى بين الدول العربية من حيث دخل الفرد ومحاربة الفساد والاستقرار الاقتصادي والسياسي. جميل أن تكون المنافسة بين دول مجلس التعاون على من يصل أولاً إلى العالم الأول، ومن سيكون الأول في محاربة الفساد، والأقل في نسبة البطالة، ومن لديه أفضل تعليم وبرامج صحية وعدالة اجتماعية ونزاهة قضاء، وحماية للبيئة. دول مجلس التعاون مهيأة لتلحق بركب الدول المتقدمة لما حباها الله من استقرار سياسي وثروات طبيعية، وقيادات تحرص على مصالح شعوبها، والسؤال؛ كيف يمكن أن تستمر المسيرة وكيف نصل إلى نادي الدول المتقدمة ومن سيصل أولاً؟ من قراءة التاريخ نعلم أن أوروبا الغربية أمضت مئات السنين في صراع وحروب، قبل أن تصل إلى ما وصلت إليه من تقدم وازدهار، لكن لدينا نماذج حديثة في جنوب شرق آسيا وأعتقد أن سنغافورة هي من أسرع الدول وصولا إلى العالم المتقدم رغم إمكاناتها المتواضعة ومساحتها الصغيرة، وقد كان من أهم أسباب نجاحها العوامل التالية: *القيادة الحازمة الواعية المتمثلة في رئيس وزرائها "لي كوان يو" الذي دخل التاريخ كباني سنغافورة الحديثة الذي أتمنى أن يقرأ كل مسؤول عربي كتابه "من العالم الثالث إلى الأول" والذي ركز فيه على أهم أسباب نجاحه وزملائه في بناء دولة كانت من أفقر الدول، وكان مستوى دخل الفرد أربع مئة دولار في السنة، ووصل الآن إلى أكثر من أربعين ألف دولار في السنة. * التعليم بمراحله المختلفة هو الحصان الرابح الذي راهنت عليه سنغافورة للحاق بركب العالم الأول ومن أهم شروطه، التركيز على الكيف لا الكم، وترسيخ قيم العمل، وحسن اختيار المعلمين وأساتذة الجامعات، وتدريبهم وابتعاث أفضلهم لأرقى جامعات العالم المتقدم، وحسن اختيار مدراء المدارس والجامعات وإعطائهم الصلاحيات للنهوض بها ومكافأة المتميزين منهم ومحاسبة المقصرين. المعلمون والأساتذة في سنغافورة من أهم وأفضل موظفي القطاع العام والخاص إعداداً ومكانة اجتماعية واقتصادية. * حاربت سنغافورة الفساد بلا هوادة، وضرب رئيس وزرائها السابق"لي كوان يو" في كتابه سالف الذكر الكثير من الأمثلة في محاسبة المقصرين والمختلسين من موظفي الدولة من مختلف المراتب، وضرب مثلاً لأحد الوزراء الذي ارتشى وكان من أعز أصدقائه وتربطه به صلات عائلية، لكنه رفض مساعدته وانتهى مصير الوزير المرتشي بالانتحار، وهاجرت زوجته وابنته إلى خارج سنغافورة. * النهوض باقتصاد البلد وبناء بنية تحتية قوية، وبيئة صحية نظيفة تهتم بالحدائق والتشجير وصحة الإنسان،ومعاقبة العابثين بكل حزم. * إقامة علاقات متوازنة مع جميع الدول، وخصوصاً الدول الكبرى، وكان هذا العامل من أهم أسباب استقرار سنغافورة، والمساهمة في جذب الاستثمارات الأجنبية، وما تحقق لها من رخاء. دول مجلس التعاون بحاجة إلى دراسة تجربة سنغافورة حتى تسّرع من مسيرة التقدم والوصول إلى العالم الأول، فالرخاء الاقتصادي والقضاء على البطالة، وتحقيق العدالة الاجتماعية، والتخطيط للمستقبل البعيد، تعد من أهم مرتكزات الأمن ومحاربة الإرهاب، والاستقرار السياسي، والاجتماعي. دول مجلس التعاون محاطة بدول أوضاعها الداخلية غير مستقرة كإيران والعراق واليمن، والصومال والسودان، وأفضل شيء يمكن أن يساعد دول مجلس التعاون على التغلب على جميع الصعاب ومد يد العون لتلك الدول المحتاجة هو الجبهة الداخلية المتماسكة، والاقتصاد القوي، والتكامل في قدراتها العسكرية، حتى تصبح مثالاً يحتذى من بقية دول المنطقة. آمل أن نحتفل خلال العشرين سنة القادمة بوصول أول دولة عربية إلى نادي العالم الأول أكثر مما احتفلنا بحصول دولة قطر على استضافة كأس العالم لعام 2022. إنه حلم جميل وهدف سام ورؤية تستحق عناء المغامرة، إذا وجدت الرؤية واتضح الهدف ووضعت الخطط وصحّ العزم تذللت الصعاب بإذن الله. هل يصبح الوصول إلى مصاف الدول المتقدمة هدفاً تسعى قيادات مجلس التعاون لتحقيقه؟ آمل ذلك وليس ذلك على الله ببعيد.