خلافنا مع "الآخر" نابع في معظمه من عدم اتفاقنا على المصطلح ذاته.. فهل اتفقنا مثلا على مفهوم واضح ومعنى مشترك للاختلاط والنقاب والليبرالية وشروط الإفتاء (ووو) كي ننطلق من أرضية مشتركة للنقاش؟! ألا يفترض بنا الاتفاق أولا على المسميات والمفاهيم كي لا نختلف على الجوهر وندخل في "حوار طرشان" وجدل بيزنطي لاينتهي؟! فالاتفاق على المصطلح هو أول خطوة يجب تقريرها والاتفاق حولها في أي مسألة يستدعي التواصل بين البشر .. وهي خطوة مبدئية مهمة، ليس فقط في المسائل الفقهية والاجتماعية، بل وفي القضايا العلمية المجردة... فأنا على سبيل المثال لا أكاد أحصي عدد المرات التي طرح علي فيها القراء هذا السؤال: هل تؤمن بوجود حياة غيرنا في الكون؟ وهو سؤال يضعني في ورطة حقيقية (خصوصا حين يكون صاحبه مستعجلا ويريد الاجابة بنعم أو لا) .. فالمشكلة هي عدم اتفاقنا على مفهوم الحياة أو المظهر والنوعية التي نسأل عنها.. فإن كان المقصود الحياة البكتيرية البدائية سيكون الجواب نعم وبنسبة 100% (كما اتضح من النيازك وحجارة المريخ وعينان تيتان) .. أما إن كنا نعني الحياة النباتية البسيطة فالأمر محتمل بنسبة 80% على أي كوكب يملك ماء {وجعلنا من الماء كل شيء حي.. أما إن كنا نقصد مخلوقات ذكية وحضارة متقدمة فلا أحد ببساطة يستطيع الجزم، فقد نلتقي بهم غدا، وقد ننقرض قبل أن نقابل أحداً !! ... وحتى وقت قريب كنت أقف حائرا أمام وفرة المظاهر الحياتية على كوكب الأرض لدرجة أني ابتكرت لنفسي تعريفا خاصا مفاده : الحياة هي (كل شيء) لا يبدو ميتا... ولكن حتى هذه الاستثنائية لم أعد أؤمن بها حاليا بسبب احتمال عيشنا في بعد فيزيائي خاص وامتلاكنا لأحاسيس محدودة تحجب مظاهر خفية حولنا.. فنحن مثلا نعيش في بعد فيزيائي منفصل عن الجن والشياطين، ونتمتع بأحاسيس محدودة لا تدرك تواجدها بيننا، وفي المقابل لولا أذناك لما آمنت بوجود الموسيقى، ولولا عيناك لما صدقت بوجود الألوان، ولولا أعصابك لما أدركت نعومة الحرير)!! ... ليس هذا فحسب .. بل لاحظ أن حتى الأشياء التي نراها وندرك وجودها ونظنها ميتة (كالصخور والجبال والمعادن)، اتضح أنها نشطة وحية على مستوى الذرة {وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم.. وبالتالي حين تصف شيئا بأنه "جماد" فأنت كمن يصف مشلولا لا يسمع ولا يتكلم بأنه ميت .. وحين تجمع بين محدودية أحاسيسك البشرية ونشاط العناصر الذرية تصبح غير مؤهلا (كإنسان) للحكم على حياة أو موت الأشياء.. وفي المقابل وفي استثنائية فريدة لقدرات الانسان سمع الرسول صلى الله عليه وسلم تسبيح الطعام بين يديه، وتوقف الجذع المقطوع عن الأنين حين وضع يده الشريفة عليه، ناهيك عن الشجرة التي استأذنت ربها فشقت الأرض وسلمت عليه ثم عادت لمكانها على مرأى من الصحابة .. وقد تكون هذه معجزات خاصة بالرسول ولكنها تساند ما أثبته العلم الحديث من قدرة النباتات على الإحساس والتأثر والتواصل على مستويات ذرية يصعب إدراكها .. فالنباتات مثلا تغضب وتتألم حين تقطع أحد أطرافها (كما يتضح من قياس ذبذباتها الكهربائية في قاعدة الغصن).. وحين تضع بذرة في إناء مقلوب ستخرج إلى الأسفل ثم تعود إلى الأعلى هاربة من الموت وباحثة عن الحياة وضوء الشمس!! ... وبناء على هذا كله قبل أن تسألني عن احتمال وجود حياة غيرنا في الكون، دعنا نتفق أولا على معنى ومفهوم (الحياة) على كوكب الأرض...