لسنا بحاجة إلى معطيات ومؤشرات إضافية بعد إعلان الإدارة الأمريكية فشلها في إقناع الكيان الصهيوني بالموافقة على تجميد الاستيطان وبناء المستوطنات لثلاثة شهور، إلى أن يحين موعد المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية والوضع النهائي .. أقول لسنا بحاجة إلى معطيات أخرى لإثبات أن الإدارة الأمريكية سواء أكانت جمهورية أم ديمقراطية ، لا يهمها في الشرق الأوسط إلا إسرائيل .. السلام في الرؤية الإسرائيلية المدعومة أمريكيا-في السياسة والأمن والدبلوماسية-يتمثل في أن العرب هم المعنيون بتقديم التنازلات، وأن الوضع الداخلي في إسرائيل، لا يسمح لأي حكومة أن تقدم تنازلات يطالب بها العرب لإنجاح مشروع السلام والتسوية في المنطقة. وإن كل الجهود الأمريكية تتجه صوب الدول العربية لتقديم التنازلات من أجل عدم إفشال مشروع السلام في منطقة الشرق الأوسط .. لدرجة أنه لم يبق مع العرب أي شيء، ليقدموه من أجل تحريك عجلة السلام في المنطقة .. فقد قدم العرب كل ما لديهم .. حيث قبلوا بمشروع السلام وبكل الخطوات التسووية والتي لا تنسجم وحقوقنا الوطنية والقومية .. ولكن الكيان الصهيوني ومن ورائه الإدارة الأمريكية، لم يقدما أي خطوة وتنازل للعرب.. فبدأت المفاوضات المباشرة في إطار مبدأ الأرض مقابل السلام .. أي على إسرائيل أن تعيد الأراضي العربية التي احتلتها عام ( 1967م ) ، وعلى الدول العربية في المقابل أن تطبع علاقتها مع الكيان الصهيوني .. ولكن المعادلات السياسية والأمنية ، التي بدأ الكيان الصهيوني بفرضها بدعم مفتوح من الإدارة الأمريكية ، هي معادلات تستند إلى مبدأ آخر وهو السلام مقابل السلام .. فإسرائيل ترى أن المنطقة العربية، تمر بمرحلة عجز إستراتيجي ، تحول دون تقديم تنازلات لها في مشروع المفاوضات وتحقيق السلام .. فإسرائيل لا تتنازل عن الأراضي التي احتلتها ، ولا تقدم للعرب إلا السلام وتطبيع العلاقات معها .. فمشروع المفاوضات العربية – الإسرائيلية، يعيش القهقرى والمزيد من التراجع بسبب التعنت الإسرائيلي ، وإصرار الإدارة الأمريكية على دعم وإسناد هذا التعنت بكل ما تمتلك من قوة ونفوذ في المنطقة .. لدرجة أن الإدارة الأمريكية التي احتلت أفغانستان والعراق ، وأسقطت الحكومات القائمة فيها ، وتهدد في كل يوم بضرب إيران ، لم تستطع أن تقنع حكومة بنيامين نتينياهو بإيقاف مشروع بناء المستوطنات لمدة ثلاثة أشهر فقط .. فهل إعلان الإدارة الأمريكية بإخفاقها في إقناع الحكومة الإسرائيلية في إيقاف الاستيطان، دليل قوة إسرائيل ، أم التواطؤ الأمريكي – الإسرائيلي الدائم على المنطقة وشعوبها؟ .. فالسلام في الرؤية الإسرائيلية المدعومة أمريكيا ( في السياسة والأمن والدبلوماسية ) أن العرب هم المعنيون بتقديم التنازلات ، وأن الوضع الداخلي في إسرائيل، لا يسمح لأي حكومة أن تقدم تنازلات ، يطالب بها العرب لإنجاح مشروع السلام والتسوية في المنطقة. فالولاياتالمتحدةالأمريكية ، لا تمتلك إلا معاتبة الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، حينما تتعنت ، وترفض تطبيق بنود الاتفاقيات الموقعة بين السلطة الوطنية الفلسطينية وإسرائيل .. وفي المقابل فإن الإدارة الأمريكية، تمارس كل الضغوطات على الدول العربية لتقديم التنازلات المطلوبة لمشروع السلام .. فالولاياتالمتحدةالأمريكية كحقيقة ناصعة في منطقة الشرق الأوسط ، ليست طرفا محايدا في مشروع التسوية في المنطقة .. بل في كل مراحل هذا المشروع هي في صف الكيان الصهيوني وداعمة إياه بكل إمكاناتها وطاقاتها .. ولن نتمكن نحن العرب من إنجاح مشروع التسوية والسلام في المنطقة ، إلا بالانطلاق من هذه الحقيقة الإستراتيجية .. أن الولاياتالمتحدةالأمريكية ليست طرفا نزيها ، ومن يراهن عليها في مشروع تحقيق تسوية عادلة في المنطقة كمن يحرث في البحر. لهذا فإننا كعرب بحاجة أن نعيد تجميع أوراقنا المختلفة من أجل نيل حقوقنا، بعيدا عن أي رهان خاسر على الإدارة الأمريكية .. وأن الإعلان الأمريكي الأخير، هو أحد المؤشرات الحقيقية على أن الإدارة الأمريكية، لا تضغط على إسرائيل ، وأن كل همها هو الحفاظ على أمن إسرائيل وتفوقها النوعي في المنطقة .. وإننا كعرب معنيين قبل غيرنا، إلى إدراك هذه الحقيقة، وبناء خططنا الإقليمية ومشاريعنا القومية وفق مقتضيات هذه الحقيقة .. فالرهان على الولاياتالمتحدةالأمريكية ، يضيع حقوقنا ، ويجعلنا نقدم كل التنازلات بحيث نصل إلى ما تريده إسرائيل [ السلام مقابل السلام ] .. وكأنه لا توجد أراضٍ محتلة وحقوق مستباحة وشعب اقتلع من أرضه وبساتينه وحقوله .. لهذا فإننا نعتقد وبالذات بعد الإعلان الأمريكي في إخفاقها في إقناع الحكومة الإسرائيلية بإيقاف الاستيطان، أننا بحاجة إلى أن نعيد صياغة رؤيتنا العربية وإستراتيجيتنا القومية المتعلقة بالقضية الفلسطينية ومشروع التسوية في المنطقة وفق الأولويات التالية : 1- لا ريب أن استمرار الانقسام والتشظي الفلسطيني ، يعد هزيمة أخلاقية وإستراتيجية للقضية الفلسطينية .. وأن استمرار هذا الانقسام كلف ولا زال يكلف الشعب الفلسطيني والدول العربية بأسرها الشيء الكثير على الصعد الأمنية والسياسية والإستراتيجية .. وأن القضية الفلسطينية بأسرها ، تتعرض اليوم لأخطر مؤامرة ، تستهدف تصفيتها وإنهائها وفق الشروط الإسرائيلية – الأمريكية.. وأن الخطوة الأولى في مشروع مواجهة تصفية القضية الفلسطينية ، هو إنهاء حالة الانقسام الفلسطيني .. فحركة فتح ينبغي أن تدرك أن حركة حماس ، هي حقيقة فلسطينية على كل الصعد ، ومن المستحيل شطبها من المعادلة الفلسطينية .. وفي المقابل على حركة حماس أن تدرك أن حركة فتح والسلطة الوطنية الفلسطينية أيضا هي حقائق فلسطينية لا يمكن شطبهما .. لهذا فإن المطلوب الإسراع في مشروع المصالحة الفلسطينية ، مهما كانت الصعوبات والتدخلات .. وعلى جميع الدول العربية أن تدرك أن استمرار الانقسام الفلسطيني مهما كانت أسبابه المباشرة وغير المباشرة ، لا يهدد القضية الفلسطينية فحسب ، بل هو تهديد مباشر لكل الأمن القومي العربي .. لهذا فإن المصلحة الفلسطينية والعربية تقتضي المسارعة في مشروع المصالحة وإنهاء الانقسام بين حركة فتح والسلطة الوطنية الفلسطينية من جهتها وحركة حماس من جهة أخرى .. 2- إن استمرار الصمت العربي إزاء ما يتعرض إليه أهلنا في فلسطين التاريخية، يثير الكثير من الريبة ويساهم في إضعاف الموقف الفلسطيني والعربي في مشروع التفاوض والسلام في المنطقة .. وآن الأوان للعرب جميعا لإنهاء خطيئة تاريخية كبرى ارتكبت بحق أهلنا في فلسطين التاريخية .. ولا شك أن الخطوة الأولى في مشروع إنهاء هذه الخطيئة هو تقديم يد العون والمساعدة بكل أنواعها لأهلنا في فلسطين الذين يتعرضون لأبشع أنواع الطرد والاستئصال وأن مشروع يهودية الدولة الإسرائيلية ، يستهدف استئصال وطرد أهلنا في فلسطين العميقة .. لهذا فإن دعم صمود أهلنا هناك هو جزء من مشروع دعم وإسناد صمود الشعب الفلسطيني .. 3- يبدو من مختلف المؤشرات أن منطقة الشرق الأوسط ، تعيش مرحلة حساسة وخطيرة، وأن كل الأطراف تستعد لضمان مصالحها ومكاسبها سواء بالوسائل السلمية والعنفية .. كما أن حجم الاصطفافات بكل أنواعها في المنطقة يزداد باضطراد وهذا يهدد النسيج الاجتماعي والوطني لأكثر بلدان الشرق الأوسط .. لهذا وعلى ضوء المرحلة الحساسة التي تعيشها المنطقة فإنني أدعو إلى بلورة مقاربة عربية جديدة لطبيعة العلاقة بين الدول العربية والجوار المسلم لمنطقتنا وبالتحديد تركيا وإيران وباكستان .. إن الأمن الإقليمي والاستقرار السياسي لمنطقتنا ، كل هذا يقتضي بلورة إستراتيجية عربية متكاملة ، لنسيج علاقات إيجابية سياسية واقتصادية وأمنية بين الدول العربية وهذه الدول .. فلا يمكن أن تستقر أوضاع المنطقة بعيدا عن العلاقات الإيجابية بين منطقتنا وهذه الدول الثلاث .. من هنا فإننا ندعو المؤسسات القومية العربية إلى الإسراع في تنفيذ مشروعها في انتظام العلاقة مع دول الجوار .. فاستمرار هذه الدول إلى جانب قضيتنا المركزية ( فلسطين ) ، يعد ضرورة حيوية لنا جميعا .. ولعل من أولوياتنا القومية في هذه المرحلة ، هو العمل على تنظيم هذه العلاقة ..ومعالجة بعض الملفات التي تساهم في توتير هذه العلاقة .. فمصلحتنا العليا تقتضي نسج علاقات إيجابية وحيوية بين فضائنا العربي والفضاءات التركية والإيرانية والباكستانية .. والاهتمام بتذليل بعض المشاكل وسوء التفاهم بين بعض الأطراف العربية وبين أطراف المثلث التركي – الإيراني – الباكستاني هو الخطوة الأولى في مشروع بناء شراكة إستراتيجية كبرى بين الدول العربية وهذه الدول المهمة والمؤثرة في المنطقة ..