قرار تجميد الاستيطان فى الضفة الغربيةوالقدسالشرقية الذى أقرته الحكومة الإسرائيلية فى السادس والعشرين من شهر يوليو من العام الماضى وانتهى رسميا الأحد 26 سبتمبر 2010م كان الشغل الشاغل للحكومة الأمريكية واللجنة الرباعية ووزراء الخارجية العرب، والرئيس محمود عباس. أكتب هذه المقالة قبيل رفع التجميد بعدة ساعات، ولم يصدر حتى الآن موقف عن الحكومة الإسرائيلية بشأن تجديد التجميد أو رفعه، وأتوقع أن تستجيب إسرائيل للضغوط الدولية؛ ولكنها ستراوغ وسوف تمدد التجميد لفترات قصيرة ومتتالية من أجل تضخيم أهمية الاستيطان، معللة ذلك بعدم قدرتها على كبح جماح المتطرفين في الائتلاف الحكومي. كل الجهود الدولية الجارية تخشى من انهيار التحالف الذي يشكل الحكومة الإسرائيلية، ولكنها لم تُقم وزنا للانقسام الفلسطيني، ولم تضع في حسبانها الأصوات الفلسطينية الرافضة للمفاوضات، ولم تضع في الاعتبار مطالب الفلسطينيين الجوهرية، فكل ذلك غير مهم. لاحظوا أن كل هذه (الخبصة) هي على موضوع لم يكن في الأساس مدرجاً على طاولة أية مفاوضات سابقة، فقد كان مسلّما أن الاستيطان إجراء غير شرعي ويجب إزالة جميع المستعمرات المحدثة. أما سبب تصعيده إلى هذا المستوى فقد كان بسبب معركة تكسير العظام بين إدارة الرئيس باراك أوباما واللوبي الصهيوني في واشنطن، وقد نجح الأخير في إرغام الرئيس الأمريكي على التراجع عن مطالبته بوقف الاستيطان إلى القبول بمبدأ التجميد المؤقت، وأعتقد أنه منذ ذلك الحين ضاقت مساحة المناورة الأمريكية، أما خيارات الفلسطينيين ومعهم العرب فهي منعدمة تماما منذ أن فرطوا في المبادرة العربية للسلام. لقد كانت حملة إعلامية وعلاقات عامة مهولة شاركت فيها جميع وسائل الإعلام وتحديدا وسائل الإعلام العربية للترويج لتلك العقبة الكأداء وجعلها الأساس الذي يتحكم في مصير المفاوضات، وأرجئت عمدا قضايا التسوية النهائية التي تضمنتها مبادرة السلام العربية والمتمثلة في وضع القدس واللاجئين والحدود. ويحضرني في هذا الخصوص تأكيدٌ لعراب السياسة الخارجية الأمريكية هنري كيسنجر في كتابه السياسة الخارجية الأمريكية على أن حدود عام 1967م لن تكون مقبولة إسرائيلياً في أية تسوية دائمة، كما أن التسليم بيهودية إسرائيل سيعني ليس فقط عدم السماح بعودة اللاجئين والمهجرين وإنما بحرمان عرب الداخل من حقوقهم المشروعة في أرضهم. الطرف الفلسطيني جُرِّد من كل أسلحته في المفاوضات؛ فلم يسمح له أن يشترط شرطا واحدا، وأعطيت إسرائيل كل حقوق التفاوض وفرضت شروطها على الجميع، فعلى أي شيء يتفاوض الوفد الفلسطيني؟ هل يتفاوض على استمرار تجميد الاستيطان أم على الأرض مقابل السلام أو يتفاوض على التدرج في قبول الشروط الإسرائيلية من أجل الوصول إلى نتيجة ترضي الإدارة الأمريكية وتحفظ توازن الائتلاف الإسرائيلي الحاكم ولكنها غير قابلة للتطبيق على الأرض بانتظار تحولات قد تشهدها المنطقة يتوقع الإسرائيليون أنها سوف تسلِّم لهم الأرض كاملة في مقابل وطن بديل للفلسطينيين؟! مايجري من مفاوضات غير منطقي، وليس ذلك لأن الطرف العربي لايريد السلام، ولكن لأنه ليس هناك مقابل للسلام، وقد أصبح العرب الآن مجردين من أي عوامل ضاغطة وليس لديهم ما يقدمونه من وجهة نظر إسرائيل. العرب غير راغبين وغير قادرين على تهديد أمن إسرائيل، والاعتراف العربي بإسرائيل حاصل، وبمرور الوقت سنجد دولًا عربية كثيرة تتوسط لإقامة علاقات مع إسرائيل، فلماذا تقدم إسرائيل تنازلات غير ضرورية؟ أعتقد أن السبب في تجشم إسرائيل عناء المحادثات واقتطاع قادتها وقتهم الثمين لحضور المفاوضات هو من أجل حملة علاقات عامة لتحسين صورة إسرائيل في العالم بعد أن تنبه الرأي العام العالمي عموما والغربي خصوصا إلى فظاعة ما يجري في فلسطين وخصوصا حصار قطاع غزة.