امتدادٌ جديد لرقعة الصراع الدائر في الصومال، تقابله مخاوف إقليمية، وعدم اكتراث دولي . ولا ريب بأن هناك الكثير من المتضررين جراء غياب الاستقرار في البلاد، إلا أن الشعب الصومالي نفسه هو من يدفع الفاتورة الباهظة للتدهور المريع في حالة الأمن، منذ عقدين من الزمن. وعلى صعيد العملية السياسية، نال رئيس الوزراء الصومالي الجديد، محمد عبدالله محمد فرماجو، ثقة البرلمان في 31 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، ليخلف بذلك عمر عبدالرشيد شرماركي، الذي استقال في نهاية أيلول/ سبتمبر، إثر خلاف مع الرئيس الصومالي شريف شيخ أحمد، حول قضايا الأمن والدستور القادم، ومدة والمرحلة الانتقالية. وإذا كان المجتمع الدولي في حالة غياب أو تخبط، على مستوى مقاربته للوضع الصومالي، فإن الدول العربية معنية ببذل كافة الجهود اللازمة لإعانة الأشقاء الصوماليين على تحقيق المصالحة الوطنية وإعادة الأمن للبلاد كمقدمة للحل السياسي بعيد المدى. في هذه الأثناء، تقلصت المساحة الضيقة أصلاً التي تسيطر عليها الحكومة الانتقالية، والتي تكاد تنحصر اليوم في بضعة أحياء من العاصمة مقديشو. وكانت حركة الشباب المعارضة قد أعلنت في آب/ أغسطس الماضي عن بدء "معركة حاسمة" ضد القوات الحكومية، وقوات حفظ السلام الأفريقية، لن تتوقف إلا بتحقيق "نصر نهائي". وتقاتل حركة الشباب ضد الحكومة الصومالية منذ مطلع العام 2007، ويسيطر مسلحوها، وجماعة مسلحة أخرى، على معظم العاصمة، ومناطق كبيرة في وسط وجنوب البلاد. وفي شباط/ فبراير الماضي، قالت مجلة "التايم" إن قرابة 300 شاب، من أبناء المغتربين الصوماليين، عادوا إلى بلادهم خلال السنوات الأخيرة، وإنهم يسيطرون على حركة الشباب. وقالت التايم إن المسلحين في الصومال باتوا يشكلون تهديداً على مستوى العالم، ذلك أن معظم قياداتهم من أبناء المهاجرين الصوماليين المغتربين، في الولاياتالمتحدة وبريطانيا وكندا، وأستراليا والنرويج والسويد، ودول أوروبية أخرى. وقالت المجلة إن المشكلة تكمن في احتمال قيام حركة الشباب بإشعال القرن الأفريقي، فضلاً عن كينيا. وفي الأول من كانون الثاني/ يناير الماضي، قال مسؤول في حركة الشباب إن الجماعة مستعدة لإرسال تعزيزات إلى اليمن، إذا ما هاجمت الولاياتالمتحدة فرع القاعدة هناك. وزادت المخاوف الإقليمية في اليوم التالي عندما اتهم وزير الدفاع الصومالي تنظيم القاعدة في اليمن بإرسال حمولة قاربين من الأسلحة، إلى مقاتلي حركة الشباب في ميناء كيسمايو، الذي تسيطر عليه الحركة في جنوب البلاد. ووفقاً لبعض التقارير، فإنه بينما كان اليمن، على مدى سنوات، مصدراً للأسلحة التي تذهب إلى الصومال، فإن هذ التجارة يديرها في العادة سماسرة وشركات شحن، وليس المسلحين أنفسهم. وتشير تقارير أمنية إلى أن اليمنيين يشكلون جزءاً كبيراً من قوة أجنبية تقاتل في صفوف حركة الشباب، كما يوفرون خبرة في صناعة القنابل والاتصالات. ووفقاً لأحد التقارير، هناك نحو 500 مقاتل أجنبي في صفوف حركة الشباب،التي يقدر عدد مقاتليها بخمسة آلاف أو أكثر. وقد قتل عدد من المسلحين الأجانب عندما انفجرت قنابلهم قبل الوقت المحدد في مقديشو، في آب/ أغسطس الماضي. وهم من باكستان والهند وأفغانستان والجزائر. وفي أواخر تشرين الأول/ أكتوبر، عادت حركة الشباب وسيطرت على مدينة بولاحاوو الحدودية المتاخمة لكينيا، وذلك بعد أن فقدت سيطرتها عليها لمصلحة القوات الحكومية، المدعومة أثيوبياً. وقد لجأت السلطات الكينية من ناحيتها لنشر قوات عسكرية على الشريط الحدودي تحسباً لمزيد من التدهور في الموقف. وكان وزير الخارجية الكيني، موسى ويتانغولا، قد انتقد في السابع عشر من أيلول/ سبتمبر المجتمع الدولي بسبب تجاهله "التهديد الأمني القادم من الصومال". ورأى يتانغولا، في حديث صحفي من نيويورك، أن النزاع الصومالي لا يحوز على أي اهتمام دولي، وأن التعاطي معه يتراجع أمام الوضع السائد في السودان، والحرب الأفغانية، ومساعي السلام في الشرق الأوسط، بل وحتى مكافحة المخدرات في المكسيك – حسب تعبير الوزير الكيني. وقال يتانغولا إن الصومال "يمثل أكبر تهديد في القرن الأفريقي"، خصوصاً مع تنامي نفوذ حركة الشباب، التي كانت قد أعلنت مسؤوليتها عن قتل 79 شخصاً في هجوم بالعاصمة الأوغندية في 11 تموز/ يوليو الماضي. وفي الثالث والعشرين من آب/ أغسطس، أعلن مسؤول في الاتحاد الأفريقي أن مئات من الجنود الأوغنديين قد وصلوا إلى مقديشو لتعزيز قوة حفظ السلام الأفريقية هناك. وكانت حركة الشباب قد شنت، في ذلك اليوم، هجوماً على فندق يضم مسؤولين محليين، في العاصمة الصومالية، مما أسفر عن مقتل 38 شخصاً، بينهم 11 نائباً في البرلمان الوطني. وقالت أوغندا إنها مستعدة لإرسال قوة إضافية من جنود حفظ السلام قوامها 2000 جندي. ويشكل جنودها حالياً غالبية القوة الأفريقية في الصومال، البالغ قوامها 6100 جندي، بينما يتولى جنود من بوروندي حماية قصر الرئاسة والمطار. وكانت الهيئة الحكومية للتنمية (ايغاد)، المؤلفة من دول شرق أفريقيا وغينيا وجيبوتي، قد تعهدت بإرسال قوات إضافية إلى الصومال. ومن ناحيته، وافق الاتحاد الأفريقي، في تموز/ يوليو، على إرسال أربعة آلاف جندي إضافي. وفي تموز/ يوليو، قالت الولاياتالمتحدة إنها مستعدة لزيادة مساعداتها لقوات الاتحاد الأفريقي في الصومال، وتشديد تحركها ضد حركة الشباب. وقد تشمل المساعدات العسكرية الأميركية عتاداً إضافيا وتدريباً، ودعماً خاصاً بالإمداد والتموين، وتبادلاً للمعلومات على امتداد مساحة الصومال. وتعد الصومال دولة متوسطة الحجم، تنبسط على مساحة تبلغ نحو 638 ألف كيلومتر مربع. وهي تصغر قليلاً عن مساحة أفغانستان، البالغة 652 ألف كيلومتر مربع. وتعادل مساحة الصومال نحو 64% من مساحة إثيوبيا، و110% من مساحة كينيا، و120% من مساحة اليمن. ويصل عدد سكان الصومال إلى 10.11 ملايين نسمة، وفقاً لمؤشرات منتصف العام 2010. ويقع 45% من سكانه تحت سن الخامسة عشرة. وخلال الفترة بين كانون الثاني/ يناير 2010 ونهاية يوليو/ الماضي، قتل 918 مدنياً على الأقل، وأصيب 2555 آخرين في الصراع الدائر في البلاد. وكان قد قتل 745 شخصاً على الأقل، وأصيب 3435 آخرين في نفس الفترة من العام 2009. ويحاول معظم المدنيين الفرار من العاصمة مقديشو بحثاً عن الأمان، وينتهي الأمر بالكثير منهم في مخيمات في ضواحي المدينة. ولا يملك العديد من النازحين من خيار سوى العودة بانتظام إلى مقديشو على الرغم من قناعتهم بانعدام الأمن فيها. وقد سجل عدد جرحى الحرب الأهلية الصومالية، في المستشفيات التي تدعمها اللجنة الدولية للصليب الأحمر في مقديشو، ارتفاعاً حاداً منذ العام 2009. وبلغ عدد المصابين الذين دخلوا مستشفيي الإحالة المخصصين لمصابي الحرب 5000 شخص خلال الفترة من كانون الثاني/ يناير حتى أيلول/ سبتمبر الماضي، بينهم 1900 امرأة وطفل. وكان قد دخل المستشفيان خلال الفترة ذاتها من العام الماضي ما مجموعه 4000 مصاب، بينهم 1100 امرأة وطفل. وتكشف هذه الأرقام عن زيادة قدرها 25% في العدد الإجمالي لجرحى الحرب الذين أدخلوا المستشفيات، وزيادة قدرها 72% في عدد الجرحى من النساء والأطفال. وعلى صعيد إنساني آخر، قالت منظمة الأممالمتحدة للأغذية والزراعة ( الفاو)، في تقرير لها في آب/ أغسطس الماضي، إن ملايين الصوماليين هم بحاجة إلى مساعدات إنسانية. وقد بلغ الناتج القومي للبلاد في العام 2009 خمسة مليارات وستمائة وخمسة وستين مليون دولار. ولا تتجاوز حصة الفرد من هذا الناتج الستمائة دولار. ويقع الصومال على هذا الصعيد في ذيل قائمة دول العالم، حيث يأتي في الترتيب 224 من أصل 229 دولة ومنطقة مصنفة عالمياً. وقد أظهرت دراسة لمنظمة الفاو، في آب/ أغسطس من العام 2009، أن عدد الذين يحتاجون إلى مساعدات إنسانية في البلاد قفز بنسبة 17.5 % خلال عام، إلى 3.76 ملايين نسمة. وقالت الدراسة إن 75% ممن يحتاجون المساعدات يتمركزون في المناطق الوسطى والجنوبية، حيث تدور أعنف المعارك بين الحكومة والمسلحين، ويتعذر وصول عمال الإغاثة. ومن بين من يحتاجون المعونة 1.4 مليون شخص من سكان الريف ممن تضرروا من الجفاف الشديد. و655 الفاً من الفقراء من سكان الحضر، الذين يعانون من ارتفاع كبير في أسعار المواد الغذائية. وأكثر من 1.42 مليون نازح في الداخل، ممن فروا من المعارك. وما يمكن قوله خلاصة هو أن الصومال يشهد اليوم إحدى أكثر مراحله انهياراً على صعيد مقومات الدولة وظروف الحياة العامة. وإذا كان المجتمع الدولي في حالة غياب أو تخبط، على مستوى مقاربته للوضع الصومالي، فإن الدول العربية معنية ببذل كافة الجهود اللازمة لإعانة الأشقاء الصوماليين على تحقيق المصالحة الوطنية وإعادة الأمن للبلاد كمقدمة للحل السياسي بعيد المدى.