منذ بضعة أعوام، قال سائح أمريكي بلهجة قاسية إن "ولينغتون لها نصف مساحة مقبرة مدينة نيويورك، وضعف ما يحل بها من خمود". واليوم، جاء دليل "لونلي بلانيت" السياحي ليكشف عن أن العاصمة النيوزيلندية "أكثر عاصمة صغيرة في العالم برودة". فقد صنف دليل "بيست إن ترافيل 2011" الذي أصدرته مجموعة "لونلي بلانيت" المهتمة بإصدار الدلائل السياحية الشهر الجاري، مدينة ولينغتون في المرتبة الرابعة على قائمته التي تضم أفضل عشر مدن يمكن زيارتها العام المقبل، وهو ما يعد تقديرا كبيرا لمكان كان منذ جيل مضى أحد أسوأ العواصم في العالم، لما اشتهرت به من طقس قاس وسكان ثقيلي الظل ومناخ عام ممل. باعتبار أنها العاصمة الوحيدة الواقعة في المنطقة بين دائرتي العرض 40و50 بما تتميز به من رياح عاتية وطقس سيء، لا تزال العاصمة النيوزيلندية تحظى بلقب "ولينغتون العاصفة"، حيث أن الرياح العاتية كثيرا ما تهب عبر مضيق كوك الذي يفصل بين الجزيرتين الرئيسيتين في نيوزيلندا، لتجتاح المدينة الكائنة على هضاب تحيط بميناء. غير أن كاثرين لو نيفيز، كاتبة "لونلي بلانيت"، كتبت في دليل "بيست إن ترافيل 2011" إنه "رغم (أو ربما بسبب) طقسها القاسي، تعد ولينغتون رائعة بكل ما تحمل الكلمة من معنى، حيث يزيد فيها نصيب الفرد من الحانات والمقاهي والمطاعم عنه في مدينة نيويورك، فضلا عن عدد وافر من منتجي الأطعمة الفاخرة، بما في ذلك ما يقرب من عشر محمصات مستقلة للقهوة". وتقول لو نيفيز إنه رغم صغر مدينة ولينغتون، حيث أنها تضم ما يقل عن 480 ألفا من سكان نيوزيلندا البالغ عددهم 4ر4 مليون نسمة ومساحتها ثلث مساحة مدينة أوكلاند أكبر مدن البلاد، إلا أن مساحتها المضغوطة تدعم روحها الاجتماعية. وأوضحت الكاتبة قائلة: "يحب السكان المحليون مدينتهم، ويستمتعون بمساعدة الزائرين على الوقوع في حبها كذلك". يقول العمدة السابق فران ويلدي، الذي يرأس حاليا المجلس الاقليمي لولينغتون الكبرى إنه حتى أوائل ثمانينيات القرن العشرين، كانت العاصمة النيوزيلندية "مدينة كئيبة ومملة وبيروقراطية". فالبيروقراط الذين يتسمون بالكآبة وثقل الظل كانوا يعودون إلى المنزل في ضواحي ولينغتون في الساعة الخامسة تماما، وتتوقف الحياة في المدينة مع حلول الظلام لتظل الحياة الليلية فيها سرا محفوظا وراء أبوابها المغلقة مخفيا على الأجانب. لذا فإن السياح يتوقفون فقط لاستقلال عبارة يعبرون بها مضيق كوك. بيد أن تغيير الحكومة في عام 1984 وضع نهاية لقرن من النظم الروتينية، ليمهد الطريق إلى تفجر سلسلة من الحانات والمطاعم تفتح أبوابها يوميا على مدار 24 ساعة. تزامن ذلك مع عملية إعادة البناء الواسعة للحي التجاري وسط ولينغتون، حيث صارت المباني القديمة الرمادية الكئيبة تشكل خطرا رئيسيا في تلك المدينة التي يكثر تعرضها للزلازل، حيث تقع في المنطقة التي تعرف باسم "حلقة النار في المحيط الهادئ". ومن منطلق إدراكهم لتغير مهم في الشعور العام، أطلقت مجموعة من رجال الأعمال حملة بعنوان "ولينغتون بصورة إيجابية للغاية"، سرعان ما تبناها مجلس المدينة، ولا يزال شعارها يزين سواري الأعلام والملابس والملصقات الإعلانية وملصقات السيارة ونوافذ المتاجر. تطلق ولينغتون على نفسها العاصمة الثقافية لنيوزيلندا لما تتمتع به من صناعة سينمائية مزدهرة (حيث أنها تضم استوديو فيلم "لورد أوف ذا رينغس" -مملكة الخواتم-)، ومتحف "تي بابا" الوطني، وعدد وفير من دور العرض السينمائي، ومسارح، ومهرجان سينمائي دولي سنوي، إلى جانب مهرجان فني يقام كل عامين. غير أن المناظر الطبيعية والبيئتين الحيوانية والنباتية التي تشتهر بها نيوزيلندا ليست ببعيدة عن ولينغتون. فهناك الميناء الضخم الذي يمكن إلقاء نظرة بانورامية عليه من فوق قمة جبل فيكتوريا الذي يبلغ ارتفاعه 196 مترا ، أو من العربات المعلقة (تلفريك) التي تصل بين المدينة وحديقة "بوتانيك غاردن"، بما تتميز به من زهور التوليب المثيرة التي تظهر في الربيع و300 نوع مختلف من الورود في الصيف. تقف عبارة الميناء عند جزيرة ماتيوسوميس التاريخية ، التي كانت محطة حجر صحي للمهاجرين المرضى والحيوانات المريضة، ثم صارت مركزا للاعتقال للألمان والإيطاليين خلال الحرب العالمية الثانية، لتصبح الآن منطقة محمية لإعادة زرع الأشجار والنباتات المحلية.