لستُ في مقالي هذا واعظاً، ولست شاطح الخيال فيما أرجوه، ولست ناسياً أن من يقومون بالرسالة التربوية الشريفة هم بشر، وينبغي ألا نطلب منهم ما ليس في الإمكان، ولكني في المقابل على قناعة تامة بأنه لا مستقبل زاهراً لأي أمة دون أن تكون مؤسساتها التعليمية راقية متطورة، وأن المعلم والأستاذ الجامعي ها اللذان يحققان تميز هذه المؤسسات التربوية، والأهداف المثالية المنشودة منها. ** ** ** وحين أطمح للمثالية من المعلمين والأساتذة فإني في المقابل لا أجد عذراً لأي مجتمع في ألا يصطفي أقدر الناس من رجاله ونسائه للقيام بهذه الرسالة، وأن يوفر لهم كل أسباب الراحة، وصور التقدير المادية والمعنوية. وعلى المجتمع أن يدرك أنه يأتمن المعلمين والمعلمات على أغلى ما يملك من ثروات وهم فلذات الأكباد، وأنه وضعهم في الأيدي الأمينة عليهم بكل صور الأمانة. إن قناعتي هذه جاءت لاستقرائي الحاضر المعاصر عند الدول الناهضة، وتلمس العظمة لماضينا المجيد.. إذ بهرني كثير من آراء الأئمة الأفذاذ فيما يصفونه بآداب المعلم والمتعلم؛ لذا أحببت ان أزود إخواني العاملين معي في التربية والتعليم ببعض ما جاء في هذا الثراء التربوي ليكون زاداً لهم، يضاف إلى خبراتهم، ويُعمق معرفتهم بأداء التعلم والتعليم. لقد أسس علماؤنا القدامى، والأساتذة المعاصرون في وطننا العربي وسائر الأوطان القواعد التربوية التي تبنى عليها العملية التعليمية الناجحة بناء شامل الأدوات موثق الأركان؛ لتعطي الثمرة المرجوة منها.. ولتكون دعائمها الثلاث على أقوى ما تكون رسوخاً وثباتاً (المعلم - المتعلم - المنهج). ** ** ** لقد أسس علماؤنا القدامى، والأساتذة المعاصرون في وطننا العربي وسائر الأوطان القواعد التربوية التي تبنى عليها العملية التعليمية الناجحة بناء شامل الأدوات موثق الأركان؛ لتعطي الثمرة المرجوة منها.. ولتكون دعائمها الثلاث على أقوى ما تكون رسوخاً وثباتاً (المعلم - المتعلم - المنهج)، وقد أضاف المعاصرون دعامة جديدة هي المدرسة - الجامعة، بكل ما يجب أن يكون فيها من تحديث وتطوير - وجمعوا بين ما في تراثنا الماضي من علم ومعرفة ، وما في العصر الحديث من تطور وازدهار، وتقنية؛ إذ لا فائدة من علم كثير لا ينفع صاحبه اليوم، ولا أثر لمعلم جامد مغلق الحدود عند الماضي، ولا قيمة لمتعلم يأبى الفهم والمشاركة والبحث بنفسه عن العلم في مختلف مصادره، ولا نفع لمدرسة ليست مجهزة بإمكانات التجريب والبحث والتطور المستمر في مدارس العالم حولنا؛ ذلك لأن التعليم هو الأداة الوحيدة لأي أمة في مواجهة ما يقابلها من تحديات؛ سعياً إلى صيانة ثوابتها، وتجديد متغيراتها. ولهذا أجمع التربويون المعاصرون بل والقدامى على أن المتعلم هو محور العملية التعليمية، وأن المعلم هو محركها. وأن مبتغى المنهج هو أن يكون زاداً مفيداً للمتعلم؛ يعطيه الطاقة على فهم الحياة، والمشاركة العلمية الصائبة الجادة فيها، وما عدا ذلك فهو حشو لا حاجة إليه، وما أكثر الحشو في مناهجنا الدراسية التي يصر على بقائها النافذون الذين يتهمون من يناوئهم بالزيغ. ** ** ** وإذا كان العنصر المحرك ، والأهم في العملية التعليمية هو المعلم إلى جانب أنه هو الأب الثاني المعنوي لطالب العلم فواجبٌ عليه أن يتصف بكل مقومات الأبوة.. حباً صادقاً لأولاده، لا يميز بين واحد منهم في عطاء العلم لقرابة أو صداقة، وأن يكون إضافة لذكاء الأذكياء، وتلمساً برقة وإشفاق وعطاء أكثر قدر الطاقة لمن ليسوا على مستوى النبوغ والذكاء، وأن يأخذ بأيديهم حتى يصلوا إلى مستوى إخوانهم من الموهوبين ما استطاعوا. وإذا كنت يا أخي المعلم والأستاذ أباً بصدق المشاعر وحقيقة الرعاية، وواقعية العطاء فعليك نحو طلابك أمران: غرس القيم العليا، والإشادة بمن يتحلون بها كرموز لغيرهم في التمسك بفضائلها، وإرشاد لمن يخرجون عن سور الأخلاق الفاضلة، ويقفزون منه إلى المشاكسة والتصرفات المشينة؛ يوقفهم الإرشاد عن تفشي سوئهم؛ لأن الخلق الكريم هو أفضل دعائم التربية، وأول أسس التعليم. فكن يا أخي المعلم شهادة تقدير تزيد في فضيلة الفضلاء من طلاب العلم أمامك، وطبيباً معالجاً لمن فيهم سوء خلق ومخالف سلوك في من قد يظهر عليك ذلك من أبنائك. ** ** ** وقضية مهمة علينا ألا نغفلها، وهي (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها)، (على قدر الطاقة يكون التكليف بالعمل).. فأعط طلابك من نوع العلم وقدره ما يتناسب وإمكاناتهم - حسب أعمارهم. وقدرة تحصيلهم، فلا شطط ولا مغالاة في كم ونوع ما تعطي لطلابك قدر إمكاناتهم الذهنية، وحاجة أعمارهم، ولا تبخل بعلمك عليهم إذا ما ارتقت سنوات دراستهم، وازدهرت قدراتهم التحصيلية، اقتداء في ذلك بحديث الرسول الكريم (نحن معاشر الأنبياء أمرنا الله أن ننزل الناس منازلهم، ونكلمهم على قدر عقولهم) وبجانب كل ذلك: كن دائم الاطلاع غير متوقف عن التبحر في مادتك التي أنت متخصص فيها. ** ** ** أما عن الجانب الخلقي فالمعلم نموذج شفاف، ورؤية متألقة، وأثر كالبصمات الثابتة على أخلاق وسلوكيات طلاب العلم أمامه. كن نموذجاً للأخلاق الفاضلة - حقاً وفعلاً؛ فلا تكن منافقاً مع نفسك، يخالف طبعك قولك؛ فحتماً سوف يظهر ذلك مرة في تصرف من تصرفاتك (اتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم). وأما عن الجانبب العملي فإنه يجب على من نالوا شرف العمل في التعليم أن ينالوا هم قدراً كافياً من الرعاية، سواء في الجانب العلمي أو الحياتي، وأن تكون هذه الرعاية بالقدر المثالي الذي به سميت كليات إعداد المعلمين (كليات التربية) وأن يكون النظر إلى مهنة التعليم في مثل الاهتمام بمهنة القضاء، والطب والهندسة، فهم الذين يخرّجون من المدارس والمعاهد هؤلاء الذين يقومون بمهنة الطب، والصيدلة، والقضاء والهندسة وغير ذلك. ** ** ** ومن ضرورات الجانب العملي جانب الإعداد العلمي الثقافي، فالتعليم مهنة اجتماعية حيوية؛ من هنا فإن المعلم بحاجة دائمة إلى المزيد والجديد من الثقافة الاجتماعية، ومعرفة أوضاع المجتمع في الماضي والحاضر، والتطلع إلى ما سيكون في المستقبل، وإذا كان ذلك موجوداً في المقررات للمراحل الدراسية العليا فإن ذلك لا يعني التوقف عن تحصيله في المرحلة الجامعية وما بعدها؛ بل والاستمرار في التعرف عليه طوال حياته، وممارسة مهنته الشريفة؛ ليكون المعلم صورة للمجتمع بكل تطوره ورسوخ ماضيه (معلماً دائم التعلم). ** ** ** وإنه لمن المؤكد أن دور المعلم في وقتنا الحاضر يختلف عن دوره في الماضي - ففي الماضي كان هو وحده مصدر المعرفة.. أما في الحاضر فأصبح هو الدال على مصادرها وكيفية البحث عنها والإفادة منها، ولذا استجد مشروع إنشاء مراكز مصادر التعلم في المدارس والمعاهد. ** ** ** أخي.. أختي.. يا من تشرفتما بالعمل في هذا الميدان الشريف كن.. كوني: - متعلماً.. دائم التعلم.. لا تعلم طلابك دون أن تعلّم نفسك.. عليك بالاطلاع على الجديد في تخصصك، وما يتصل به من علوم أخرى. - كن باحثاً في شتى مصادر المعرفة، ومصادر مادتك التخصصية، وعن كل جديد في طرق التعليم، ووسائط التعلم لتكون عصرياً دائماً، جديداً أبداً. - كن سهل العطاء.. ميسراً للعلم.. خاطب قلوب وأرواح طلابك قبل أن تخاطب عقولهم. - املأ أرواحهم وأنفسهم بحب المادة العلمية قبل أن تقحمها قسراً في عقولهم، فحب المادة من حب المعلم، وتلك حقيقة أعترف بها أنا وأنت والجميع. - كن يداً قوية تشد أيدي زملائك، ومدرستك، كلها في شتى صور العطاء والنشاطات فاليد الواحدة لا تصفق. - كن قائداً ومشرفاً تربوياً، وصديقاً للطلاب، وحبيباً إليهم، وكل هذه المسؤوليات ليست عسيرة على صاحب الرسالة العظيمة، والهمة العالية. ويا مجتمعنا بكل مؤسساته وأفراده.. قدّروا المعلم وريث الأنبياء، وارفعوا من شأنه، وأكرموه حق الإكرام، ووفروا له ما يمكنه من حياة طيبة تجعله يؤدي عمله خير أداء. ** ** ** وفقنا الله جميعاً إلى الخير والصواب، والأخذ بأسباب القوة مهما غلا ثمنها اللهم اجعل صدورنا سليمة معافاة، وأمدنا يا ربنا بتأييد من عندك وتسديد.