يتساءل البعض منزعجاً لماذا يتم الحديث بشكل متواصل عن المرأة السعودية وحقوقها؟ الجواب بسيط؛ لأن المرأة هي الجنس البشري الذي يعيش معنا . الدفاع عنه هو اولوية أساسية لأنها انسانة لها كرامتها وحريتها وقيمتها وحياتها وأحلامها وخياراتها . لماذا نعتقد أنه يجوز لنا أن نهدر كرامتها ونقلل من قيمتها ونجعلها تابعة ونقول دعنا نبحث عن قضايا أخرى نتكلم عنها ؟! إذا لم يحلّ مثل هذا العيب الأخلاقي والانساني فما قيمة أي شيء آخر ؟! وإذا لم نشعر أن للمرأة كرامة وحرية كونها إنسانة لا يجوز المساس بها فإن كل القضايا الأخرى تصبح ثانوية. ومع كل ذلك أنا لم أعد أرغب في الكتابة عن هذا الانسان مسلوب الانسانية بسبب إحساسي العميق بالخجل والعار . لقد كتبتُ قبل مدة طويلة عن المرأة ولكن حتى في ذلك الوقت كنت أشعر بالخجل من الموقف نفسه . الموقف الذي يجعلك حتى وأنت تطالب باستعادة الحقوق الانسانية تشعر بالخجل لأن هذا الانسان الذي لا يختلف عنا في شيء تهدر حقوقه وحريته على هذه الطريقة المهينة . الطريقة التي لا تحرمه فقط من ممارسة العمل ، بل وحتى الحركة والزي والحرية الشخصية والأحلام المستقبلية ، بل وحتى الرياضة داخل المدارس المغلقة ، بل وحتى الحرص على حياته . مثل هذا الاحساس بالخجل تعززه مواقف كثيرة مختلفة. عندما تشاهد بعض النساء يتعرضن للتوبيخ والتقريع بشكل مستمر في الاسواق وتهدر كرامتهن وكأن الأمر طبيعي جدا لابد أن تشعر بالخجل من هذا المشهد (ندّعي تقليدياً أننا الاكثر حرصاً عليهن ومع ذلك هن الوحيدات اللاتي يبتلعن الاهانات بسبب عباءة كتف أو برقع ونقابل ذلك بخنوع مطلق) . عندما تحاصرها الفتاوى التي تحرمها من العدد الضئيل من فرص العمل التي تحصل عليها لابد أن تشعر بالخجل وكذلك عندما تساهم بطردها من عملها الذي يؤمّن عيشها . عندما ترى فتيات صغيرات يتم تزويجهن من رجال في عمر أجدادهن وترى أننا حتى غير قادرين على حمايتهن لابد أن تشعر بعدم الاحترام لنفسك . عندما نمنعها من حرية الدخول والخروج والحركة كأن تقود سيارتها كما تفعل كل نساء الأرض ، وكما تفعل حتى أقرب الشعوب لنا لابد أن نحس بالعيب الاخلاقي . انظر مثلا إلى قصص المدرسات اللاتي يمتن في طريقهن للذهاب إلى مدارسهن البعيدة بسبب حادث ارتكبه سائق لا تعرف أيّ منهن ماهي مهاراته ولكن ماذا بيدها أن تفعل ، فهي مسيّرة حتى لو وصلت ال60 من العمر . لو كانت تقود سيارتها بنفسها من المؤكد أنها ستكون أكثر حرصا على حياتها ، وحتى لو ارتكبت حادثا وماتت ستكون هي المسؤولة. نحن لا نحترمها حتى لتكون مسؤولة عن موتها !!. مع الطالبات الوضع أكثر . هؤلاء الصغيرات يثقن تلقائيا بالكبار ، يعتقدن كما يعتقد الصغار أن الكبار سيقومون باحتضانهن وحمايتهن من الأزمات والمشكلات ، ولكن مع ذلك نسلمهن للموت الفظيع . لقد وثقن بنا ولم يعرفن أننا لا نستحقها. هذا الاحساس المخجل يتزايد عندما تسافر إلى الخارج وترى النساء يعملن ويتحركن ويضحكن ويتصرفن كأي انسان طبيعي وتقول في نفسك إن هذه المرأة السعودية ليست أقل من هذه المرأة . لديها كل المواهب والإمكانات ، لديها نفس المشاعر والرغبات. ، لديها نفس القيمة والطموح والرغبة في الاستقلال الشخصي كما يتمنى أي انسان، ولكنها تبدو على هذا الوضع الذي سلبها كل ذلك وأخضعها وجعلها مستسلمة وتطمح بالقليل. هذا التدجين المتواصل جعلها تناضل ضد نفسها ، كما ترى في نساء يعتقدن أن هذا الوضع المثالي لهن ، الوضع المثالي يحرمها من العمل ويعزلها ويقلل من شأنها ويجعلها تبدو سعيدة أن تكون الزوجة الثالثة أو الرابعة، الأهم أن لا يتم إلقاؤها في الشارع بلا حقوق (بعض الأحيان نقرأ أخباراً عن نساء يقمن بتزويج أزواجهن، لقد تعرضنا للمسخ الداخلي الكامل الذي جعلها تبدو سعيدة على إهانتها وسحق مشاعرها في الوقت الذي يجب أن تكون على الأقل غاضبة). دعونا لا نتكلم عن الحب والمشاعر فنحن نسحقها سحقاً ونعرف ذلك ولكن لا بأس أن تكتم هذه المشاعر إلى يوم موتها . الشعور بالخجل بسبب أن الوضع يبدو واضحاً لدرجة لا يستحق توضيحه أكثر بالكتابة ويبدو مؤلماً بحيث لا يمكن وصفه بها. الوضع يحتاج فقط إلى التصحيح الفوري على الأقل على مستوى القرارات التي يمكن أن تساهم بدفعها للأمام. أما ثقافياً فالشخص نفسه قادر على مواجهة أفكاره القديمة عن المرأة وقيمتها ودورها . ولعل السؤال الأول والأبسط يكون : إذا كنتُ سأشعر بالضياع إذا ما تم حرماني من العمل أو حتى طردي بدون وجه حق ، وإذا ما شعرت بانتقاص جوهري الانساني بسبب تقييد حريتي . إذا كنت سأشعر بكل ذلك لماذا لا أعتقد إذن أن المرأة ستشعر بذات الشيء ؟!