تطالعنا الصحف يوميا بأخبار عاصفة تتعلق بالفساد والمفسدين وهي تطورات رائعة يجب علينا جميعا أن نعمل على تأصيلها ونتعاون في سبيل تحقيق الهدف من هذه الحملات المتتابعة على كل ما له علاقة بالفساد المالي والإداري فيكفي أن يوجد لدينا مبدأ يمارس وفكر يطبق واقع يتمثل في أنه لا أحد يملك قداسة تحميه ويكون معها بمنأى عن المساءلة. رياح عاصفة ستقتلع كل مكونات وبؤر الفساد، لكنني أتعجب أن أحدا لم يتحدث أو يكتب حول الفساد في الشركات المساهمة المدرجة في سوق الأسهم ورؤوس أموالها وموجوداتها وأصولها بمئات المليارات وضع المواطنون مدخراتهم فيها وعليها تعقد الآمال بعد الله في توسيع دور القطاع الخاص في التنمية في بلادنا الطاهرة، وجزء كبير منها تساهم فيها الحكومة مما يعني أنها أموال عامة يجب صيانتها وتنميتها والمحافظة عليها ولست أقول أن كل الشركات ينخر فيها الفساد فهناك شركات تعتبر نماذج مضيئة تمثل النجاح بأجل معانيه وصوره وهي معدودة وقليلة جدا لا تكاد تتجاوز أصابع اليدين، لكن جزءا كبيرا من هذه الشركات يمثل رموزا خالدة لمعاني الفشل الدائم والمستمر، وأما التميز والإبداع فقد بلغا فيه الغاية ومنتهى التفوق لكن في نواحيه السلبية من حيث تآكل وضياع مدخرات وأموال المساهمين أساليب عجيبة ومبادئ غريبة، إنها مجالس لشرعنة الفشل وتبرير الأخطاء يصلون لمقاعدهم بأصوات المساهمين وحين تكون هناك جمعيات عمومية نجدهم يتهافتون ويتصلون على المساهمين ويقدمون مشاريعهم وخططهم الإستراتيجية ويقدمون أنفسهم وكأنهم طوق النجاة الذي سيخرج تلك الشركات من حالة الغرق وطوفان الخسائر يتوددون لأصغر مساهم وبمجرد وصولهم وفوزهم بمقاعدهم في الشركات يكشرون عن أنيابهم ويظهرون الوجه القبيح لهم وتسقط الأقنعة وتتكشف النوايا الحقيقية فلا شيء يتغير والواقع يستمر على ما هو عليه ويزداد سوءا وتستمر مسيرة الفشل حتى تصل هذه الشركات إلى مرحلة الموت الإكلينيكي (السريري)، تسمع بأخبار تصيبك بالجنون وتفقد معها الوعي فساد مالي وإداري يستشري في تلك الشركات، أرقام مروعة في حجم الخسائر وتآكل رؤوس الأموال تزداد عاما بعد عام حين تقارن بين هذه الشركات المساهمة وبين مثيلاتها من الشركات الأخرى ممن يتولى شأنها ويقوم على أمرها أصحابها تجد الفارق كبير والبون شاسع بين هذه وتلك، والحقيقة أن الكاتب الكبير الأستاذ عبدالله الجعيثن قد أحسن الوصف وكان رائعا ودقيقا وجامعا مانعا، فالمساهمون أيتام بمشيئتهم يرون أموالهم تحترق ومدخراتهم واستثماراتهم تضيع في شركات يفترض أنها تمتلك كل عوامل النجاح، لكن ليس هناك كفاءات مؤهلة ولا نوايا صادقة ولا مجالس إدارات صالحة. مما مكن لميكروبات وجراثيم الفساد أن تنخر في أجساد تلك الشركات وإذا كان للمساهمين دور لا يمكن أن تقاد عملية الإصلاح في الشركات بدون ممارسته وتطبيقه فلا شك أن للرقابة والمحاسبة الحكومية والضرب بسيف الدولة على يد كل من تسول له نفسه التلاعب بمقدرات تلك الشركات ومساهميها لهو عامل حاسم ومهم في معركة الفساد. هل يمكن لأحد أن يتصور أنه لم يعلن في يوم من الأيام عن محاسبة أي من المسئولين في هذه الشركات أو لم تقع منهم أخطاء، هل يعني عدم وجود حالات فساد معلن عنها أن العاملين في هذه الشركات ملائكة أو معصومون، لكن التستر على المتلاعبين والفاسدين والقاعدة المعمول بها لدينا عفا الله عما سلف وإبراء الذمم والذي أصبح عرفا سائدا وتقليدا متبعا في الشركات المساهمة جعل التهافت على دخول مجالس الإدارات والترشح لها هدفا محببا لنفوس الفاسدين فماذا يخسرون فليس هناك جهود يبذلونها ولا أعمال يحاسبون عليها والأخطاء مغتفرة ولو كانت قاتلة وقاعدة الغنم بالغرم مفقودة ومعطلة .