يلاحَظ أنه مع اقتراب موعد صدور الميزانية تأتي ذروة المناقشات والمفاوضات بين ممثلي وزارة المالية ومسؤولي مختلف القطاعات الحكومية، حتى إن أمراء المناطق أصبحوا يحضرون بأنفسهم لمناقشة ميزانيات مناطقهم، وبعض الجهات تقوم بحملات إعلامية تهدف إلى الضغط على وزارة المالية مثل المبالغة في وصف النقص الحاصل بمشاريعها وميزانياتها حتى ليخيل للبعض بأن وزارة المالية هي المذنب الوحيد في قصور هذه الجهة أو تلك بعدم منحها الاعتمادات التي يطلبها المسؤول. السؤال الذي أطرحه بوضوح، هل الميزانية وتفاصيلها يتم إقرارها وفقاً للمفاوضات والضغوطات الشخصية والآنية أم أنه توجد برامج علمية وخطط متطورة في إعداد ميزانية كل قطاع؟ ما نراه من تسابق المسؤولين إلى وزارة المالية في مثل هذا الوقت من كل عام يدل على أن للعلاقات الشخصية والنفوذ الذي يمارسه المسؤول دوراً في تحديد الأولويات والقناعات لدى معدي ميزانيات القطاعات والمناطق، وهذا الأمر ليس بسر يذاع فكثير من المسؤولين يصرح بذلك، وبعضهم يشتكي من كون العملية التفاوضية غير متكافئة علمياً ووظيفيا، حيث يأتي الوزير أو المسؤول المتخصص في مجاله الفني، على سبيل المثال ليفاوض موظفاً أقل مرتبة وغير ملم بطبيعة القطاع أو التخصص. حينما أسأل عن الآليات العلمية الشفافه فأطرح أمثلة. القطاع الصحي على سبيل المثال، لا نجد أن ميزانيات القطاعات الصحية تتناسب علمياً وموضوعيا بعدد الأسرّة والتخصصات التي يقدمها كل قطاع، ومثل ذلك لا نرى ميزانيات الجامعات تتناسب مع أعداد الطلاب والتخصصات التي تقدمها الجامعات وعمر كل جامعة وقس على ذلك مختلف القطاعات التي يفترض أن يكون لكل واحد منها معيار يربط بين الخدمة والمنتج، وحجم الميزانية التشغيلية، على الاقل، لتبقى ميزانية المشاريع قابلة للتفاوض. بمعنى أنه لمَ لا توضع ضوابط لميزانيات التشغيل وفق تكاليف الوحدة الواحدة من الخدمة المقدمة من كل قطاع؟ وبالنسبة لباب المشاريع فلماذا لا تعلن وزارة المالية عن حجم مبالغ المشاريع التي ستموّنها في كل قطاع مع بداية العام ومن ثم تتم المنافسة بين القطاعات المتشابهة على الميزانية وفق آلية شفافة وعلمية ومفتوحة للجميع وبحضور الجميع وليس بالتفاوضات الفردية؟ على سبيل المثال ليعلَن تخصيص مبلغ محدد لمشاريع المستشفيات ، حينها تتنافس الجامعات والصحة والقطاعات الصحية الأخرى على تلك الحزمة من المشاريع ومثلها تعلن ميزانية لمشاريع الماء والكهرباء وغيرها. هذه طريقة عادلة إذا كانت وزارة المالية تريد الإنصاف في توزيع ميزانيات المشاريع وفق آلية التفاوض والتنافس. ليس من المنطق أن أرى جامعة تحصل على ميزانية سبعة مليارات ريال وجامعة أخرى عدد طلابها أكثر تحصل على ميزانية تبلغ حوالي ثلاثة مليارات، كما أنه ليس من المنطق أن تحصل جامعة مكتملة التجهيز والمقرات على مليارات الريالات بينما جامعة ليس لديها سوى مقرات مؤقتة تحصل على ميزانية بالكاد تكفي لتغطية الرواتب ومصروفات التشغيل؟ فقط لأن الجامعة الكبرى لدى مسؤوليها علاقاتهم الواسعة وبروزهم الإعلامي. بمعنى أنه لو عقدنا المقارنات بين مؤسسات القطاع الواحد أو حتى بين القطاعات أو بين المناطق لوجدنا تبايناً يطرح أسئلة حول آلية حساب وتوزيع الميزانية! أرى بأنه لو وجدت خطط وآليات علمية واضحة لاستطعنا تقدير ميزانيات الدولة على مدى سنوات قادمة ولحصلنا على تنمية مطردة ومتوازنة على مدى سنوات وليست متأرجحة ومتقلبة من عام لآخر. لأن مثل هذا التأرجح يربك خطط النمو والاستقرار لدى مختلف القطاعات. يجب أن تُبنى الميزانية وفق خطط التنمية المرسومة وليس وفق الإيرادات القابلة للتأرجح من عام لآخر.