قدّر الخبير الاقتصادي، عضو جمعية الاقتصاد السعودية عبد الحميد العمري، قيّم المشروعات الحكومية المُتعثرة، والتي لم تُنفذ بشكل صحيح كما خُطط لها، وما شابها قصور، أو ما تأخر تسليمها، بقرابة تريليون ريال، على مدى ست سنوات مضت، وفقاً لإحصائية خاصة أجراها في الجمعية. وأرجع العمري تعثر المشروعات الحكومية لعدة أسباب، من أهمها عدم محاسبة المسؤولين عن توقف المشروعات في الجهات الحكومية، دون النظر لموقع المسؤول، على اعتبار أن القانون لا يُفرّق بين شخصٍ وآخر في الحساب والثواب على حدٍ سواء. معتبراً، أن ما يتزامن مع إعلان الميزانية العامة للدولة سنوياً، من ديباجةٍ تُبرز المشروعات المُرتقب إنشاءها، يجعل ما تعثر من مشروعات مُقرر تنفيذها ربما في ميزانياتٍ سنواتٍ مضت، يذهب في خِضّم الإعلان عن المشروعات المقرر تنفيذها في موازنة العام الحالي، وعلى هذا الحال تذهب تلك المشروعات في زحام الموازنة السنوية، أو كما قال «تذهب المشروعات الغير مُنفذه في إطار الأولويات اللحظية، أو المشروعات التي يُقرر تنفيذها، وعلى هذا المنوال تتراكم المشروعات الغير مُنفذة، ويُسهم هذا الأمر باتساعها وزيادتها». تعطّل المشروعات وقال العمري «الحكومة تُنفق بشكل هائل على مشروعات التنمية، لكن سوء الإدارة للأسف يُلقي بظلاله على تعطّل تنفيذ البعض منها، وسوء اختيار الشركات المنفذة لتلك المشروعات أيضاً سبباً هاماً في اتساع رقعة المشروعات المتعثرة والمتوقفة، ناهيك عن عدم وجود مواصفات معينة وخاصة بالمقاولين المُنفذين لهذه المشروعات، أو على مستوى الكوادر البشرية المُنفذة للعمل، فعمل خريج جغرافيا أو أحياء طبيعية مديراً لأحد المشروعات المُتعثرة، هذا أمر أنا وقفت عليه واكتشفته في أحد المشروعات، ولدي القدرة على الإفصاح عنه، في سبيل أن يُحاسب المُذنب والمسؤول عن حدوث هذه الإشكالات في مشروعاتٍ من المفترض أن تُسهم في تنمية الوطن، فالوساطات تعلب دوراً واضحاً في مثل هذه الأمور». وأضاف «مشكلة بعض الوزارات والجهات الحكومية عدم وجود مراقبين ومتابعين مؤهلين للعمل، يجب تفعيل عمل ديوان المراقبة، وهيئة مكافحة الفساد بشكل فعّال وعملي وجدّي، إن تمت محاسبة المسؤول أو المُخطئ، لن تتكرر مثل هذه الإشكالات في المشروعات التنموية أياً كان موقعها، من الضروري أن نضع الكوادر المؤهلة في مواقعها الصحيحة، وفي نفس الوقت، يجب أيضاً مُحاسبة المُقصر أو المُحابي أو من يثبت إدارته بشكلٍ غير صحيح ولا يتماشى مع خطط الدولة التي يهمها تنمية الإنسان بالدرجة الأولى». تسرب كوادر ووضع رئيس لجنة المقاولين في مجلس الغرف التجارية السعودية فهد الحمادي أسبابه التي رأى أنها عاملاً مُساعداً لتنامي تعثر المشروعات، وقال «كيف نريد إنجاز مشروعات ضخمة، والوزارات والجهات الحكومية تُعاني من تسرب كوادرها للقطاع الخاص، جراء عدم تلقيهم أجورا تتناسب مع مؤهلاتهم الوظيفية، التي وفرها لهم القطاع الخاص، وبات يستفيد من خدماتهم، كيف يُمكن أن تؤدي وزارة مُعينة دون ذكر أسماء، عملها بشكل جيد في مقابل ألف مشروع تحت التنفيذ، وهي لا تملك من المراقبين أو المسّاحين المؤهلين إلا عشرة موظفين، بالإضافة إلى اعتماد بعض الوزارات أسلوب القص واللصق في تنفيذ المشروعات، للنقص الملموس في الكوادر البشرية المؤهلة، التي ظفر بها القطاع الخاص، إضافةً إلى نقصٍ تُعاني منه بعض المشروعات، من ناحية الكوابل الكهربائية، التي تتقاطع مع أخرى عند إجراء حفرياتٍ أرضية لمشروعٍ مُعين، فهذه مُعضلة أخرى، وهناك أيضاً مُشكلة عدم توفر أراضٍ أو مواقع خاصة بالدولة لإقامة بعض المشروعات، هذه أبرز الأسباب التي تُسهم في تعثر المشروعات الحكومية والتابعة للقطاع الخاص أيضاً». مقاول أجنبي فهد الحمادي وأضاف الحمادي «يجد المقاول نفسه بين مطرقة الدولة، وسندان التمويل المالي والاستشاري، وهو ما يُسهم في تضخم وزيادة المشروعات المتعثرة، ناهيك عن بعض أنظمة الدولة وشروطها الخاصة التي تشترطها على المقاول الراغب في تنفيذ مشروعٍ ما، فالمقاول بات ضعيفاً أمام هذه المُعطيات، وهو ما قاد إلى التفكير في مقاولٍ أجنبي، أثبت جدارته فعلاً في إنجاز بعض المشروعات في البلاد، فالمشروعات الخاصة التي أوكلت لمقاولٍ أجنبي بعقودٍ خاصة نجحت، أما مقابلها ما يُوكل للمقاول السعودي لم ينجح، مع أن ابن البلد أجدر بالظفر بها، طبقاً لتعبير الحمادي، ومن منطلق تزايد حجم المشروعات المتعثرة، وهو الأمر الذي أثار مخاوف شركات المقاولات الوطنية، وتبنت اللجنة الوطنية للمقاولين التفكير في تكليف مكتب استشارات عالمي، لإعداد دراسة شاملة حول تبعات تعثر تنفيذ المشروعات الحكومية على الدولة والمقاولين على حدٍ سواء.»مؤكداً أن عدداً من القضايا التي تواجه هذا القطاع، سيتم تذليلها، بالإضافة إلى تفعيل عدة مقترحات، من شأنها تحريك الملفات العالقة في اللجنة، أهمها موضوع إنشاء هيئة خاصة بالمقاولين واعتبر الحمادي الدراسة تأتي ضمن جهود اللجنة الرامية لحل مشكلات القطاعات، بالتعاون مع الجهات المعنية، مشيراً إلى أن الدراسة ستقدم صورة حقيقية للوضع الراهن لمشكلة تعثر تنفيذ المشروعات الحكومية من جهة محايدة، وبناءً على معطيات علمية وعملية تساعد على الوصول لحلول واقعية قابلة للتنفيذ، من شأنها أن تجنب الدولة والمقاول التبعات الباهظة لتعثر المشروعات. محاسبة الوزارات فضل أبو العينين وطالب الخبير اقتصادي فضل أبو العينين بمحاسبة حقيقية للوزارات على تعثر تنفيذ المشروعات في نهاية السنة، مشيراً إلى أنها لا تعطي ميزانية إضافية في السنة المقبلة بل توجه هذه المخصصات إلى مشروعات أخرى. وقال »إن مؤسسات النقد توقعت فائضاً في الميزانية في ميزانية 2011، وفعلاً تحقق فائض مالي بسبب نمو أسعار النفط». مبيناً أن المملكة تنتهج تعديل بند النفقات بالتوازن مع ما يحدث من متغيرات في بند الإيرادات، وهذا يؤكد أن التركيز الأكبر في بنود المالية موجه نحو التنمية وأضاف »عندما تقدم أي وزارة مشروعاتها المقترحة فهي تقدم خطة عمل يفترض أن تلتزم بها بشرط أن تحصل على التمويل المناسب من وزارة المالية فمتى ما حصلت على تمويل هذه المشروعات، فأي تعثر أو تأخر في تنفيذ المشروعات يعد قصورا من الوزير والوزارة.» وأوضح الخبير الاقتصادي قائلاً: »إذا استمرينا على ما نحن عليه في الوقت الحالي فربما تجاوزنا مرحلة الوفرة المالية دون أن نحقق الأهداف التنموية، وخاصة أن المشروعات التي تنفذ في الوقت الحالي لا تصمد لسنوات قادمة بسبب سوء التنفيذ وهذا مشكلة كبيرة.» وذكر أن هناك مقترح من اقتصاديين بتكوين هيئة مرتبطة بخادم الحرمين الشريفين، تكون مسؤولة على اقتراح المشروعات التنموية الاستراتيجية وتصاميمها وتقيم تكلفتها الحقيقية، وطرحها لمناقصات والإشراف عليها واستلامها من المنفذين، بشرط أن يكون التنفيذ مرتبط بشركات عالمية على مستوى عال. مواطن الخلل المهندس تركي التركي و قال خبير تطوير الأعمال والمشروعات المهندس تركي التركي « لا يزال هناك سؤال لم نجد له إجابة حتى الآن، ماذا عن الميزانيات السابقة؟ ما الذي أنجز منها وما الذي لم ينجز؟ لقد أصبح ما يعلن في ميزانية العام أمراً مكررا عند كثير من المواطنين وغير ذي أهمية، والسبب أنه لم يلمس ولم ينبه بما يكفي بما تم إنجازه من مشروعات تم إقرارها في ميزانيات سابقة، ولا عجب حينما يُعلن عن وجود أكثر من أربعة آلاف مشروع متوقف ومتعثر من ميزانيات سابقة، هذا الرقم يثير الصدمة والذهول، ويكشف عن مواطن الخلل والتقاعس الموجودة في بعض الجهات. ولتتضح الرؤية أكثر فنحن نريد أرقاماً تصف الإنجازات بدقة وليس كلاماً إنشائياً عن التنمية وخدمة المواطن، وهو كلام مكرر لا جديد فيه، فلماذا لا تقوم كل جهة بنشر ما تم إنجازه فعلاً من مشروعات خلال العام المنصرم؟ كم عددها وماهي المشروعات التي رسيت؟ ماهي نسب الإنجاز حتى الآن؟ كم عدد المشروعات المتعثرة ولماذا؟ كم عدد المشروعات التي لم ترسى وماهي الأسباب؟ فميزة الأرقام أنها لا تكذب ولكنها تكشف عن الواقع وقد يكون هذا الواقع مؤلماً أحياناً، ولكن لكي نصحو ونطور ونتغير فلابد من الاعتراف بالمشكلة أولاً، وهذا الاعتراف ليس منقصة ولا تقليلا من حجم الجهد المبذول، بل إن كشف الأسباب والمعوقات قد يساعد على كسب التعاون والتكاتف من الجهات الأخرى لتصحيح المشكلة، أليس هذا أفضل من الاستمرار في مسلسل المهدئات والمسكنات. وأضاف «وحتى نكون منصفين فإن بعض الجهات تنشر بين فترة وأخرى تقارير رقمية تتضمن الإنجازات والتطلعات وأذكر منها على سبيل المثال لا الحصر الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض وكذلك الطيران المدني، هذا النوع من الشفافية يعطي نوعا من الثقة عند المواطن ويجعله داعماً لهذه الجهات وأكثر تطلعاً للمستقبل بل وأكثر تفهماً للمشكلات والمعوقات، فنحن الآن في عصر المعلومات لدينا أزمة ثقة، لا يمكن أن تحل إلا بالشفافية والوضوح والأرقام من وجهة نظري هي خير وسيلة وأسرع طريق.» مشروع مجمع تعليمي للبنات في تبوك متعثر منذ 20 عاما وقد انجز منه 80 % (تصوير - إبراهيم البلوي)
بوابة عرعرالشرقية بعد توقف بنائها منذ أكثر من عام كامل (تصوير - مرضي المطرفي)