في الوقت الذي نؤمن فيه جميعاً بأن الشعر والنبوة أمران يستحيل اجتماعهما بدليل قول الله تعالى (وما علمناه الشعر وما ينبغي له) لأنهما مختلفان تماماً، فإن اسم (المتنبي) لا زال حاضراً على مدى تاريخ الشعر العربي؛ ويرى الدكتور ضيف الله الثبيتي في كتابه ( المتنبي في الدراسات الأدبية الحديثة في مصر) أن دعوى النبوة دعوة مكذوبة على أبي الطيب المتنبي ولا صحة لها وإنما هي دعوة ملفقة من خصومه وأعدائه في العصر العباسي مستشهداً بما يحكى عن أبي الطيب أنه إنما لقب بهذا اللقب لقوله: أنا من أمة تداركها الله غريب كصالح في ثمود وقوله: ما مقامي بأرض نخلة إلا كمقام المسيح بين اليهود ورغم هذا التباين بين الشعر والنبوة فإنا نلاحظ أمرا آخر هو اقتران الشعر بالتنبؤ أي توقع حوادث المستقبل من الأقوال والأفعال وهو محور حديثنا هنا . ومما تذكره كتب التراث في هذا الشأن(بلوغ الأرب 1/22) قول الفرزدق حين نبا سيفه عن أحد الأسرى وقد أمر بقتله في مجلس سليمان بن عبدالملك : كأني بابن المراغة قد هجاني: بسيف أبي رغوان سيف مجاشع ضربت ولم تضرب بسيف ابن ظالم ثم قام وانصرف فلما حضر جرير فأخبر الخبر فأنشأ يقول على البديهة: بسيف أبي رغوان سيف مجاشع ضربت ولم تضرب بسيف ابن ظالم فأعجب سليمان ما شاهد ثم قال جرير كأني بابن القين قد أجابني فقال: ولا نقتل الأسرى ولكن نفكهم إذا أثقل الأعناق حمل المغارم فكان ما قاله الفرزدق، قلت وربما كان ذلك نتيجة لمعرفة الشاعرين لأسلوب كل منهما بسبب استمرار المناقضات بينهما. ومن النبوءات على الحوادث المستقبلية قول عدوان الهربيد الشمري : يا سعيد لو تضرب على دارة الديد بزرقاً تشل الروح بالاشتعالي بديار مربية البقر مرتع الصيد ماعندك اللي عن حوالك يسالي حيث قتل سعيد برمح في المكان الذي ذكره الهربيد. ومثل ذلك ما جاء في (قطوف الأزهار ص198 ) حيث قالت زوجة جريس المطيري في زوجها عند ذهابه للغزو: ياجريس حاذورك كثيرات الاطماع واحذر عن أم دويك لو هي وحدها ياتيك راعيها من النزل فزاع حليل بنت تو زمة نهدها ياتيك فوق مشمراً وقم الارباع خطراً على غوجك تخمه بيدها بالجنب مصقول وبالكف لماع يقطع ضماك وهي بايح جهدها فهي تحذره من الحرص على استياق الناقة الغالية على أصحابها حتى لا يتعرض للقتل ولكنه لم يستمع إلى هذه النصيحة فكان ما حذرت منه زوجته فلقي حتفه بسبب ذلك. ولا يزال كثير من الناس يردد ما قاله خلف بن هذال إثر غزو الكويت متوقعاً رجوعها ومبشراً به حيث قال: ياشيخ جابر لك الله ما تهاونا الفهد يأكد لك العودة ويضمنها ياشيخ والله زعلك اليوم مزعلنا والمهزلة والمهونة ما نواطنها أبشر بنصر يشيّد فوق ويبّنا بأيدي رجال محكحكة معادنها ترجع لدارك وهاذي من صمايلنا خطوة وسطوة وتاريخ يدونها مادام معك الفهد لا يلحقك ظنه بشاية الله كويتك لزم تسكنها وقصر دسمان تجلس فيه وتتهنى لابد من فرحة تطغي غباينها وقبلها نتذكر قول رشيد الزلامي وقول زبن بن عمير المتعلقة بالملك فهد رحمه الله وكلها تحققت بعد سنوات عديدة . إن توقعات الشعراء العمالقة على مدى تاريخ الشعر النبطي كثيراً ما تصيب والشواهد على ذلك كثيرة فهل في ذلك دليل على فراسة أم هي شياطين الشعر؟!ذلك ما سنجيب عليه في موضوع مستقل بإذن الله.