جرير أحد أبرز شعراء العصر الأموي، وأحد شعراء «النقائض» المعروفة في ذلك العصر، تميّز شعره بالرقّة، والانسياب، والعذوبة، والاتّكاء مع الصورة. يُعدُّ مع عمر بن أبي ربيعة أشهر شعراء العصر الأموي. * كان لجرير منافسة حادة وصدامات شعرية مع العديد من شعراء عصره مثل: الأخطل والراعي النميري، والبعيث، ولكن منافسه اللدود القوي كان «الفرزدق»، كان جرير حريصًا كل الحرص على التفوّق على الفرزدق فسأل رجلاً من عمومة الفرزدق: أيُّهما أشعر أنا أم الفرزدق..؟! أجاب الرجل إجابة شكلت رؤية لجرير ليس ذلك فحسب، بل رؤية -أراها دائمة- أجاب الرجل: * هو (يقصد الفرزدق) عند الخاصة، وأنت عند العامة..! عندها قفز فرحًا وهو يقول: * غلبته -وربّ الكعبة- وأنا أبو حزرة ما في كل مائة رجل عالم واحد..! سرّت إجابة الرجل جريرًا، وبنى عليها رؤية ذكية، وهو المتميّز بالذكاء، وسرعة البديهة، قال «غلبته» بمعنى أني أملك السيرورة الشعرية أكثر منه، وشعري يصل إلى العامة، أيّ إلى الناس بعامة إلى الجماهير.. إلى كافة الناس. رؤية جرير الناقدة الذكية تؤكد رؤية دائمة لإمكانية وصول الشاعر إلى الناس من عدمه، ومن خلال هذا الوصول تتحدد قيمة الشاعر، وتتحدد قيمة شعره، وهذا هو المهم، فالشاعر الحقيقي هو الذي يصل إلى الناس، والشاعر الخائب هو الذي يعجز عن الوصول إلى الناس، فيعيش في نطاق المحدودية، وعدم الانتشار، والشاعر من زاوية أخرى من يتردد شعره بين الناس في كل الأزمنة. يصل الشاعر إلى الناس بالسهولة الممتنعة، وبالبساطة الراقية، والأداء المنبعث من الموهبة، ويعجز عن الوصول للناس كلُّ مدّعٍ بفوقية شعرية، وكلُّ مدّعٍ بغموض لا مبرر له فنيًّا، وكلُّ مدّعٍ بتشكيل شعري لا يفهمه هو -ناهيك عن الناس-! عظماء الشعراء هم مَن كان شعرهم في متناول الناس في كل الأزمان؛ وهكذا كان المتنبي، وجرير، وأبوالعتاهية، وأحمد شوقي، وشعراء المهجر، ونزار قباني، وأمل دنقل، ومحمود درويش، وغيرهم... الشاعر العظيم يختار تفوّقه، وتميّزه وخلوده من خلال اختيار الأداء، الذي يوصله للناس، وأدعياء الشعراء يكتبون شعرًا لا يدركون معناه فيدورون حول أنفسهم طويلاً ثم تبتلعهم دوامة الإخفاق..!!