كفل الإسلام حقوق البائع والشاري في السوق، واعتمد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه مراقبة فاعلة في أسواق المدينة، وقبل خمسين عاماً كان في الرياض مراقبون فاعلون يتأكدون من سلامة التعامل حتى لا يلحق طرف ما الضرر بغيره، ولا أزال أذكر اسم أحدهم وهو يطوف على الأفران للتأكد من أوزان الخبز، وكان يهابه العاملون، إنه أبو كريم، الذي يتأبط ميزانه بعد صلاة الفجر لهذا الغرض ولا يترك حياً من أحياء مدينة الرياض إلا بعدما يتأكد من سلامة الأداء فيه، وكان رجل من بيت الفوزان يجمع بين عمله في إمارة الباحة وبين مراقبة الأسواق فيها بفاعلية عجيبة قبل أن يكون لوزارة التجارة وجود في المنطقة، وقد زرت الأستاذ سعيد حسين الزهراني مدير فرع التجارة في الباحة ورأيت ما يشبه المعرض يضم المواد المغشوشة التي يظنها المستهلك جيدة وأصيلة، وهذا يعني أن المستهلك لا يظلم برفع الأسعار فحسب، وإنما يدفع من ماله أثماناً لبضائع رديئة، لأن التوعية وكشف حالات الغش غير متوفرة، وحتى لو أراد المتضرر اللجوء للجهات ذات العلاقة فإنه يواجه من المتاعب ما لا طاقة له به: مراجعات ووعود، وقد يتخلى عن شكواه إذا كان العائد منها لا يشفي غله وشعوره بالحسرة والغبن، لذلك أتصور أن الحل يكمن في وجود مشيخات للأسواق يتولاها أناس نزيهون ووطنيون لا تأخذهم في الحق لومة لائم، وتوضع لهم مقار رسمية تمكنهم من مراقبة ما يدور في أي سوق وإذا استدعى الأمر تدخلهم لا يتورعون في نصرة المظلوم والأخذ على يد المتجاوز الذي لا يعترف بحقوق الناس، وأن تعاد إلى الأسواق الدوريات الراجلة لما لها من هيبة على أن تأتمر بأمر شيخ السوق، وسوف تتضاءل أعداد الغشاشين والأنانيين والجشعين إلى حدود العدم، لأن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن كما جاء في الأثر.. فهل من منكر؟ طباع السوء من أمثال العرب البليغة قولهم «الطبع يغلب التطبع» وهم على حق، فإذا لم يستفد المرء من تجاربه ما يجعله سوياً بين الناس فذلك هو الخسران المبين.. وما أجمل قول الشاعر العربي: «إذا كان الطباع طباع سوء فلا أدب يفيد ولا أديب» قولوا معي: يا أمان الخائفين!!