عندما تابعت تقرير العربية حول « جبنة البيتزا « داهمني نفس الإحساس الذي يداهمني كل مرة أقرأ أو أسمع فيها عن الغش التجاري الذي غمر حياتنا ولم يكتف باقتناص جيوبنا بل استهدف صحتنا جهارا نهارا وعلى عينك ياوزارة التجارة!! الجبنة ليست جبنة، أجل هكذا جاء في التقرير الذي بثته العربية في وقت سابق، يقول التقرير: ( أن الجبنة التي توضع على البيتزا ليست جبنة بل هي عبارة عن دهون ومنكهات لأن الجبنة الأصلية تستغرق عملية تصنيعها وقتا أطول لا يفي باحتياجات السوق) أي أن الجبنة التي نتلذذ بها ونحن نأكل البيتزا ونطلبها (مرجريتا) أو محشوة الأطراف بالجبنة؛ هي في الحقيقة ليست جبنة، بل مادة مكونة من « الدهون ومنكهات الطعم» والمصيبة أن التقرير يعرض نماذج من الأجبان التي نذهب مخصوصا إلى السوبر ماركت لشرائها بثمن مرتفع لنضيفها على بعض أصناف الأكل لكنها هي أيضا ليست جبنة بل دهون ومنكهات!! إذا كان الاقتصاد الحر مهم للتنمية المستدامة، فالجودة أهم، وصحة المواطن وحمايته من الغش والفساد والجشع من أهم دعائم التنمية والاقتصاد الحر، لأن الحرية تعني المسؤولية!! فماذا سيجني الاقتصاديون إذا تحول كل المستهلكين إلى بدناء، ثم مرضى، ثم موتى؟ هل سيواصلون مهمة القتل البطيء مع كل الأجيال؟ ماذا إذا فجع التجار « الغشاشين والجشعين» في أبدانهم وفي فلذات أكبادهم؟ أم أنهم يظنون أنهم في مأمن طالما أن لديهم الأموال التي تضمن لهم ول( جريرتهم) العيش في دول لديها رقابة شديدة على ما يقدم لمواطنيها ومن يعيش على أرضها؟ فلا يأمنوا مكر الله وقوته وانتقامه! من المسئول عن كل هذه المطاعم التي تقدم لصغارنا وشبابنا السموم البطيئة مع الوجبات السريعة، وكل أنواع الحلويات شرقية وغربية وإفريقية؟!! من المسئول عن كل هذا التكدس في محلات الحلوى والبيتزا التي تزعم أنها بالجبنة؟! عيادات التخسيس، ومحلات الغذاء الصحي، ليست في مقدور الجميع، حتى الثقافة الغذائية يجهلها الكثيرون، وإن أحاطوا بها فهي تظل مجرد معلومات لا تتحول إلى سلوك غذائي سليم يتبع مثلا نظام الهرم الغذائي، الذي وضع الدهون،, الزيوت والسكريات على قمته الضيقة جدا أي أن حاجة الجسم منها قليلة جدا، وهي تتضمن أيضاً رقائق البطاطس ( الشيبس) التي أصبحت صناعة محلية وإنتاج كبير حد الإغراق ومتدني السعر رغم خطرها، كذلك الحلوى، الآيس كريم، والأطعمة المحمرة (المقلية) التي ينصح – عادة – بتناول كميات ضئيلة منها لاحتوائها على الكثير من الدهون والسكريات، ومع هذا تغطى البيتزا بالدهون بدلا من الجبنة! إذا كان مايرتكبه بعض فاسدي الضمائر من الوافدين والمتخلفين جريمة في حق المجتمع الذي اختاروا العيش فيه لخيره الوفير ولحميمية الحياة على ترابه وبين أهله؛ فإن التجار الجشعين الذين يسوقون المرض في الجبنة الوهمية التي لا تنتمي لفصيلة الأجبان أم الجرائم!! التوسع في محلات الوجبات السريعة التي يحذر منها الأطباء فهي مؤامرة لتدمير صحة الأجيال! أيضا التجارة في البضائع المقلدة والمغشوشة، والاستيراد العشوائي لإغراق الأسواق بتلك البضائع التي لها أرباح سريعة ومضمونة تدمر اقتصاد الوطن لأن المستفيد الدول المصنعة ومع هذا يمكن أن نتغاضى ونطنش عن الجودة المفقودة في المواد الاستهلاكية التي تضر بجيب المستهلك لكنها لا تضر صحته! بعض الصديقات شكون لي اختلاف منتجات الغسيل والمبيضات التي تنتج في الداخل مؤكدات على أن المادة الفعالة أو الخام هي التي يتلاعب بها المسئولون من غير السعوديين داخل المصانع السعودية حتى العطور أخبرنني أن هناك مصانع لتعبئة العطور في دول الخليج تشتري المادة العطرية الخام من المصانع الفرنسية وتلعب لعبتها الربحية بوضع كمية صغيرة جدا من المادة الخام والباقي مواد أخرى! تذكرت أني اشتريت مرة عطر عودة بخاخ، له رائحة جميلة، وبعد يومين تبخرت الرائحة ومابقي في الزجاجة المملوءة مادة بلا رائحة عطريه. شعرت بالغبن لأني « ُخدعت» كيف تسمح وزارة التجارة أو هيئة المواصفات والمقاييس، أو جمعية حماية المستهلك باستيراد هذه النوعية الرديئة ومن سمح لها بالمرور والبيع علنا وفي أحسن المحلات؟!! أكثر ما يؤذي هو الخداع، عدم الثقة أصبح هو المسيطر، ومع هذا يفلح من لا يخاف الله في كسب الثقة ثم تشعر بالقهر والغضب عندما تكتشف أنك خدعت وان البضاعة مغشوشة!! قبل أيام كنت في احد الأسواق الكبيرة في شارع الأمير سلطان، لفتت نظري معروضات في احد الأكشاك الصغيرة التي ابتدعتها الأسواق لعرض الإكسسوارات والمشغولات والمنتجات المنزلية، اقتربت من الكشك رأيت ساعات «تضوي» خلف الزجاج، عقود وخواتم تبدو من الماس! سألت البائع مانوعية هذه الساعات هل هي مقلدة؟! قال ببساطة: كل الماركات التي يبلغ سعر الساعة الواحدة منها 30و أربعين ألفا لدينا ب 250 أو 300 ريال فقط! نظرت إلى استاند الحلقان سألته وهذه؟! قال بنفس البساطة والتلقائية: يابلاش حلق ألماس ب 10 ريال! انسحبت دون أن أرد عليه وأنا مشغولة بالتفكير كيف يتم بيع الأصناف المقلدة هكذا في سوق مرخص وفي مكان بارز دون خوف أو قلق من عقاب أو مساءلة؟! لكني قلت في نفسي: ربما بينهم وبين الجهات المعنية ثقة مبنية على الغالي!! المواطن ليس أمامه متعة غير الاستهلاك وتمضية الوقت متسكعا في الأسواق أو جالسا في مطعم يلتهم ما لذ وطاب ثم يعود إلى بيته منهك الصحة والجيب كي تمتلئ أرصدة الجشعين والغشاشين في غفلة أو فطنة من المسئولين عن حماية المستهلك!! [email protected]