في زاويته المقروءة جداً بتوجهها التنويري ، والعذبة إلى حد الانتشاء بمفرداتها المموسقة ، ولغتها المترفة ، وشعريتها الباذخة ، كتب الزميل الاستاذ تركي السديري في عدد أمس بعنوان " توجهات التخلف " والتخلف داء الشعوب ، وكارثة الأفراد ، وهو أكبر معوق لدينامية التطور ، والخلق ، والإبداع ، وتجاوز الإشكاليات الاجتماعية التي تسربل المسارات والتوجهات التغييرية في الفضاء الاجتماعي ، وتعيق التحولات من مجتمع راكد ، منغلق على ثقافة أحادية محدودة الأطر والمضامين ، إلى مجتمع منتج يمارس وعيه عبر ثقافة كونية عابرة لكل الفضاءات والتنوعات الدينية ، والمذهبية ، والسياسية ، مستوعبة لكافة المضامين والآراء الفكرية ، والاقتصادية ، والحياتية ، والتربوية ، والتعليمية ، وتتعامل معها من منطلقات الحوار ، والفهم ، والاستيعاب ، والأخذ بما يتفق ومستجدات العصر ، ومنجز المعرفة ، والابتكار دون مساس بالهوية ، والشخصية العروبية المتشكلة أساساً في وعاء من الإرث الحضاري ، والفكري متميز ، وقادر على العطاء لولا " التخلف " والصدأ اللذين هيمنا في سنوات الانحطاط ، والانغلاق ، ولايزالان ينهكان الجسم العربي كما السوس ينخر في جذع الشجرة العملاقة . توقفت كثيراً عند عبارة الزميل العزيز " ... الخلل ليس خلل أساسيات ، ولكنه خلل وعي ومعرفة " هذه عبارة تلخص مشهد المآسي ، والانهيارات ، والداءات، والاوجاع التي تعيق خطونا ، وتجعلنا في حالة من التخلف إن على المستوى الحياتي ، وإن على المستوى الفكري ، وإن على مستوى السلوك ، والممارسة في كل شؤوننا الحياتية ، ومناحي توجهاتنا نحو القمة لنوجد لأنفسنا موقعا ولو صغيرا فيها ، سيما ونحن مؤهلون من خلال قوتنا الاقتصادية ، وموقعنا الإقليمي ، ومكانتنا الاممية ، غير أن التخلي عن ذلك كله بأدواره المتعددة والمتنوعة كان بإرادتنا المحضة ، وخياراتنا التي للأسف لا يمكن أن تكون في صالح آمالنا ، وما ترغب الأجيال أن تفتح أعينها عليه ، لأننا اعتمدنا خيار إلغاء العقل ، وتنميط ثقافتنا عبر رؤية واحدة ، وتورطنا في قوننة كل مفاهيمنا لتجري في مسرب واحد، مصدره نبع واحد ، لايقبل مطلقاً أن يتغذى من روافد أخرى ، ويمتزج بينابيع متعددة . أو يتماهى مع المنجز الإنساني ، ويساهم في صناعته ، وصياغة أهدافه . مشكلتنا هي مشكلة " وعي ومعرفة " فبعض المجتمع لم يتعلم أو يدرب ذاته على الاستماع للآخرين ، وفهمهم ، ولم يتعلم أو يدرب نفسه على ثقافة الإختلاف، وتعدد التفسيرات ، ولم يقتنع بأن "الحكمة ضالة المؤمن أنّى وجدها فهو أحق بها " وأن لاحقيقة مطلقة في هذا الكون الواسع بل إن كل شيء نسبي ، وأن العقل يجب أن يشتغل دائما على أمور التشخيص والتفكير والتدبر ليصل في النهاية إلى بعض الحقيقة . نعم .. مشكلتنا ، بل كارثتنا أننا مجتمع لازال بعضه يحتفظ بالوعي الرعوي ، والمعرفة البدائية في المجتمع الزراعي..