أكد الدكتور خالد بن منصور الدريس المشرف على كرسي الأمير نايف بن عبدالعزيز لدراسات الأمن الفكري أن عودة المطلوب جابر الفيفي إلى حضن وطنه تأتي بمثابة صفعة قوية ومدوية على رأس «القاعدة» التي ما فتئت تشوه في كل بياناتها وأدبياتها تعامل الحكومة السعودية مع الموقوفين أمنياً من أفرادها بتصوير حالهم على أنهم يتعرضون لكل أنواع التعذيب القاسية. تصريحات التنظيم كشفت الكثير من الحقائق الخطيرة في استراتيجية «القاعدة» فكرياً وعسكرياً واستعرض الدريس في حديثه ل»الرياض» قصة أحد المفرج عنهم حيث قال إنه أخبرني أحدهم انهم كانوا يقولون له: «اقتل نفسك ولا تسلم نفسك لهم، فإن فعلت سيرسلون عليك في السجن (غوريلا) ضخماً ومخيفاً ليغتصبك، يقول ذلك الشاب: فلم فشلت العملية التي أقوم بها في بلد خارجي وسلمت لسلطات بلادي بعد خمس سنوات في المعتقل المؤلم، كنت أنتظر كل لحظة من لحظات التحقيق أن يدخلوا علي ذلك الوحش الذي حدثوني عنه، ومضت أيام ولم أجد إلا معاملة أخلاقية راقية، ولكن القلق لم يبرح مكانه، حتى أدخلت لمركز المناصحة والرعاية، ثم أطلق سراحي، فأيقنت أن رفاق السلاح كانوا يكذبون علينا، وكنا نكذب على غيرنا بالكلام نفسه والتخويف ذاته، ولو قيض لي اليوم أن أوضح هذه الحقائق لكل مغرر به لما توانيت للحظة. وأوضح الدكتور الدريس أن الفيفي كان ممن لقنوا هذه الأفكار وملأوا نفسه خوفاً من رجال الأمن ومن كل شيء يتصل بحكومة بلاده، ولكنه لما عاد من غوانتنامو وأوقف مدة، ثم خضع للمناصحة والرعاية في المركز انكشف له زيف تلك الدعاوى، ثم عاد إلى سبيل الشيطان وانضم إلى الخوارج من أرباب الضلال الذين تجمعت فلولهم على أرض بلد شقيق وجار عزيز هو اليمن السعيد الذي أحاله هؤلاء إلى ميدان كر وفر وبؤرة صراع وتوتر مخيفة، وهاهو يثوب إلى رشده، ويراجع أفكاره بعد أن اكتشف أنه كان مسروق العقل مختطف الفكر، وفي تقديري أن حسن المعاملة التي لقيها في العودة الأولى إلى الوطن، هي التي حرضته اليوم على العودة الثانية بعد أن عاش محاصراً بأكاذيب قاعدة الشر د. الدريس متحدثاً للزميل آل زاحم وبين المشرف على كرسي الأمير نايف بن عبدالعزيز لدراسات الأمن الفكري انه في هذه الأثناء لا بد أن نستعيد تصريحات القيادي في تنظيم القاعدة سابقاً المواطن محمد العوفي الذي سلم نفسه قبل نحو سنتين حين قال في اعترافاته التي بثتها وسائل الإعلام، يقول العوفي وهو رفيق درب وسجن لجابر الفيفي: (تبين لي أن هناك دولاً تقود هذا الأمر، دول استخباراتية، تقود هؤلاء الأفراد باسم المجاهدين، ويأتي المال عن طريق هؤلاء الاستخبارات وعن طريق هؤلاء الأشخاص المجاهدين المتبنين). ثم يؤكد العوفي المفاجأة التي هزته جداً: «الحوثيون أتوا وتكلموا شخصياً معنا، قالوا: تريدون بالملايين سنأتيكم بها من قبل الدولة الفلانية! حينها عرفت أن هذا الأمر فيه تحرك، وليس من إدارة الشباب، هناك إدارة تدير من فوق، ولكن الصورة الظاهرة للمجاهدين». وقال الدريس إن هذه التصريحات كشفت الكثير من الحقائق الخطيرة في استراتيجية تنظيم القاعدة فكرياً وعسكرياً، وأسقطت ورقة التوت الأخيرة عن التنظيم، فالرجل يصرح بأن ما رآه على أرض الواقع في جبال اليمن غير قناعاته وجعله يعيد حساباته، وكذلك جابر الفيفي عاش مرارة التجربة بكل أكاذيب (قاعدة الشر) التي زيفت له الحقائق وسرقت عقله، وأضاعته في متاهة الوهم، لقد اكتشف الفيفي بألم أن حلم الشهادة في سبيل الله والجهاد النقي الطاهر الذي كان يتخيله ويسعى إليه أضحى وهماً كاذباً وخرافة سوداء، لقد تحولت تلك الشعارات البراقة التي تجذب الشباب المحب للجهاد إلى لعبة دول ومخابرات تريد المساس بأمن المملكة العربية السعودية وضرب مصالحها الاقتصادية وهز هيبتها الأمنية بعد أن نجحت في ضرب (قاعدة الشر) وإجهاض عملياتها بتفوق نوعي أذهل العالم بأجمعه، لقد أدرك جابر الفيفي كما أدرك محمد العوفي قبله أن شعارات تنظيم القاعدة التي آمنا بها وصدقناها لم تعد مقبولة حتى لشخص مثلهما يعد من الكوادر القديمة والمخلصة لفكر التنظيم. وأكد أن لم تستطع (قاعدة الشر) بكل أجهزة تضليلها وتحالفاتها الاستخباراتية مع دول تحقد على المملكة وأمنها واستقرارها ومشاريعها التنموية ونجاحاتها التي حباها الله بها لم تستطع أن تقتل بقايا نور في عقول أولئك الفتية ولم تنجح أن تغتال فطرتهم السليمة لقد برح الخفاء وزال العماء وأشرقت نور الحقيقة فانكشف لهم أن شعارات الشهادة والجهاد كلها مزورة ولم ترفع إلا لتستقطب شباباً سذجاً ليعملوا بغباء لمصالح سياسية أجنبية قذرة. واضاف انه لعل المراقب لتطورات القاعدة فكرياً وتنظيمياً لا يستغرب هذا الأمر؛ لأن كافة المعطيات تشير إلى أن المناخ العام الذي تعمل فيه يعد مناخاً مثالياً للاختراق المخابراتي. وأشار المشرف على كرسي الأمير نايف بن عبدالعزيز لدراسات الأمن الفكري إلى أن (قاعدة الشر) قد ارتهنت نفسها لدول معينة، وتعمل وفق مصالحها وأجندتها الخاصة ضد المملكة، وهذا مصير مظلم لهذا التنظيم الخارجي هو في حقيقة الأمر كان نتيجة حتمية لتطوراته ككثير من الحركات المشابهة تاريخياً، وهذه الحقيقة أعني تحالف التنظيم مع عدد من الاستخبارات العالمية أمر تؤكده الوقائع كما جاء في تصريحات العوفي قبل سنتين تقريباً، وربما يكشف جابر الفيفي المزيد من ذلك إن ملك الجرأة كصاحبه ليقول الحقيقة التي يحرص رفاقه اليوم في الكهوف ورؤوس الجبال على كتمانها، واستطرد الدكتور الدريس قائلا أزعم بكل ثقة أن هذه الحقيقة يسندها التحليل المنطقي لسير الأمور وطبيعة الأحداث، وبصورة مكثفة، أولاً: العمل القتالي تمويلاً ومعلوماتياً يتم في سرية تامة، فلا يمكن أن يكشف أمير الجماعة في اليمن لكل أفراد مجموعته من أين يأتيه التمويل؟، وكيف يحصل على المعلومات؟ ومن يحدد الأهداف وتوقيتها؟ وفي مثل هذا الجو من التكتم والسرية يسهل الاختراق المخابراتي، لا سيما والقيادات العليا العسكرية للتنظيم تحت الإقامة الجبرية أو الاعتقال في دولة إقليمية لها طموحات توسعية لا تتستر عليها. الأمر الثاني: طبيعة التنظيم أنه ذو كوادر أممية أي أن أعضاءه من كل بلاد العالم فهناك السعودي والمصري والجزائري والسوري والعراقي والأردني واليمني والأسيوي والأوربي.. وكل شخص منهم لا يعرف عن رفقائه إلا المعلومات المعلنة أما من أين هو وكيف نشأ ووهل يمكن التحقق من دقة المعلومات التي يدلي كل واحد منهم، فهذه مسألة ليست سهلة المنال، وهنا يصبح الاختراق ممكناً جداً، بل وسهلاً لأي مخابرات ولو لم تكن ذات تدريب عال. الأمر الثالث: الحاجة إلى التمويل أو إلى أسلحة أو إلى أرض مناسبة للتدريب والإعداد، كل هذا سيضطر القاعدة شاءت أم أبت أن تتحالف مع من يقدم لها هذه الخدمات في سبيل تنفيذ مخططاتها، والتحالف هنا يعني بالضرورة القبول بتنفيذ طلبات الممول أو الداعم، وإلا فإن التحالف لا معنى له في دنيا تحكمها المصالح. ولفت الى إن القابلية للإغواء والانقياد لكل ناعق ومزيف للأفكار، هي متلازمة بالضرورة مع سرعة التقلبات الفكرية لضمور التفكير الناقد وأساسياته لدى أولئك، وقد قال أحدهم ذات مرة بعد أن تاب مما كان عليه من تكفير وتفجير أن من رفقائه في الماضي من كان (يكفر نفسه ثم ينطق الشهادة)، وهذه الحالة الغريبة في نظرنا، تعد عند أفراد تلك الجماعات دلالة على الإخلاص وصدق الإيمان وقبول الحق متى ما ظهر الدليل النقلي أو العقلي عند المتصف بها. وأبان انه من المعروف عنهم فكرياً قابليتهم للانقياد واستعدادهم للتبعية المطلقة وجاهزيتهم للطاعة العمياء، وسهولة انبهارهم، ومسارعتهم للتصديق بما يلقى إليهم، ومن سلبيات تفكيرهم غياب الشك الصحي أو انعدام القدرة على التثبت والتبين، وكذا ضعف مهارات مناقشة الأفكار وفحص الحجج والبراهين. واشار الدكتور الدريس إلى أن بعض الشواهد التاريخية لأقرب الجماعات شبهاً بهم وهم الخوارج، تدل على وجود المشكلة الفكرية نفسها منذ مئات السنين، فقد ذكرت المصادر أن نجدة بن عامر الحنفي زعيم فرقة النجدات من الخوارج استتابه أصحابه لبعض قراراته التي اتخذها، فاستجاب لهم وأعلن توبته، ثم إن طائفة منهم بعد مضي بعض الوقت ندموا على استتابته وقالوا له: إن استتابتنا إياك خطأ؛ لأنك إمام، وقد تبنا، فإن تبت من توبتك، واستتبت الذين استتابوك، وإلا نبذناك، فخرج إلى الناس فتاب من توبته، تقول المصادر التاريخية: فاختلف أتباعه فطائفة منهم كفروه على توبته الثانية، كأبي فديك وكان أحد أصحابه فتبرأ منه وكثير من أصحابه، فوثب أبو فديك على نجدة فقتله، فبويع له، ثم إن أصحاب نجدة أنكروا ذلك على أبى فديك، وتولوا نجدة (الزعيم المقتول) وتبرءوا من أبي فديك. فلاحظ سرعة التقلبات الفكرية، وكثرة الانشقاقات وسرعة التلون والقبول بالشيء وضده خلال مدة زمنية قصيرة. فأي مناعة فكرية كان يتمتع بها أولئك؟! وضعف التفكير هو سمة الخوارج قديماً وحديثاً، فهم (سفهاء الأحلام) كما ورد في صحيح السنة، والعقول السفيهة هي عقول صغيرة غير مؤهلة للفهم ومعرفة الزيف والتزوير الفكري، إنها عقول سريعة التقلب، مندفعة بلا نظر في العواقب. وطالب الدكتور الدريس بعد هزيمة هذا الفكر ميدانياً انه آن الآوان أن نستفيد من عودة الفيفي ومن قبله في أن يكشفوا لعموم الشباب كيف يقع التضليل والتزوير والتزييف من هذا الفكر الضال لشعارات طالما جذبت شباباً صغيراً ساذجاً لديه قابلية عالية للإغواء والانقياد لمثل هذه الأفكار الخادعة، فمتى نستفيد من ذلك الاستفادة المثلى لتكون التوعية حقيقية ومباشرة على أن لا ينقلب أولئك العائدون إلى نجوم وهذا أمر خطير يجب أن نحذره أيضاً.