إن منظومة المفاهيم والقيم الابتدائية التي تتبدى على شكل عقيدة دينية أتى بها الرسول صلى الله عليه وسلم وحياً من الله، فإذا أخذنا هذه العقيدة الخالدة من وجهة نظر أيديولوجية تقتضي من معتقديها أن يسعوا عن طريق الحوار والمجادلة بالحسنى لوصولها بعقيدة الواحد الأحد. إن مثل هذا السعي كان الهم الأكبر للرسول صلى الله عليه وسلم وقد استمر عرضه وبيانه الجزء الأكبر من القرآن الكريم، فمن سلم بعقيدة التوحيد وبصدق الرسول فقد دخل مجموعة المسلمين ومن لم يسلم وأصر على البقاء على ما هو عليه فلا يجوز التنازل له عن شيء من عقيدة التوحيد طمعاً في دخوله الإسلام، ولكن في ذات الوقت لا يكره على ترك معتقده ويترك على ما هو عليه كما هو الحال لكفار قريش الذين قاتلوا الرسول وآذوه أشد الأذى عندما استسلموا له صلى الله عليه وسلم قال لهم اذهبوا فأنتم الطلقاء، إنها قمة التسامح منه صلى الله عليه وسلم وقصة اليهودي الذي اعتاد أن يضع الأذى في طريقه وعندما افتقده سأل عنه وعاده، وكذلك الاعرابي سعنة الذي كان يطلب الرسول ديناً لم يحل أجله فأمسك بتلابيب الرسول وقال هكذا أنتم بني طالب مطل فغضب عمر رضي الله عنه وأراد أن ينتصر للرسول فقال له صلى الله عليه وسلم دعه ووفه دينه بقي من أجله ثلاثة أيام. لقد كفل الإسلام حق الحرية وصيانة العرض والمال لمن هم في ديار المسلمين، فاليهود الذين لاقوا أشد الاضطهاد والكراهية خارج بلاد المسلمين ولم يكرهوا على الدخول في الدين الإسلامي وتركوا على ما هم عليه وكفل لهم الإسلام حق الحرية وكانوا يجيدون في البلاد الإسلامية المعاملة الحسنة التي افتقدوها عبر مراحل التاريخ خارج البلاد الإسلامية. إن الإسلام يقرر مبدأ أساسياً ثابتاً في هذا المجال وهو أن الأرض لله وحده فلا توجد ملكية خاصة لأحد - كائناً من كان - وأن الله قد جعل هذه الأرض الواحدة للناس جميعاً باختلاف ألوانهم ومعتقداتهم فلا يحق لأحد أن يستحوذ عليها ويحتكرها بسبب اعتقاده الديني، أو بؤسه الاقتصادي وهي متاحة للمسلمين ولغير المسلمين وإن الإسلام يدعو لإقامة شكل عقلاني للسلطة التي تستنبط من القرآن الكريم والسنة المطهرة.