لحكة شاءها المولى عز وجل، كان سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، خاتم الأنبياء والمرسلين، وكان القرآن الكريم المعجزة الخالدة التي ميزت الإسلام ونبي الإسلام عن بقية الشرائع، وكان الخطاب العقلاني لمعظم آيات القرآن الكريم كفيلا بهداية بني البشرية إلى معرفة الخالق وتوحيده، والإيمان بما جاء به محمد رسول الله وبما انزل عليه. واليوم على الرغم من مرور مئات السنين على البعثة النبوية ورغم المتاهات والتضحيات الجسام التي تدفعها البشرية في الطريق إلى الرشد والأنسنة، فإن المجتمع المدني الذي شيده الرسول الكريم بالمدينة كان فياضا بالاخلاق والقيم الحميدة التي أسست للإنسانية المثلى التي جاء بها الإسلام، وأكدتها سلوكيات الرسول الكريم كأسوة حسنة للعالمين إلى يوم الدين. انتصر الرسول والإنسان للمرأة التي كانت توأد في الجاهلية كما انتصر للعبيد والأرقاء، فكانوا من حوله أحراراً، وانتصر للمظلومين وكانوا نوراً اهتدى به الحائرون والتائهون، وعزز الرسول الإنسان مكارم الأخلاق بالحث على الصدق والبر والإحسان، والعفو، والكرم، والصبر، والزهد.. الخ. على أن الرسول الكريم كان سباقاً إلى تثبيت دعائم الحرية، وبالأخص الحرية الدينية، فقد كافح في السنوات الأولى لبعثته بمكةالمكرمة، من اجل انتزاع حرية العقيدة، طالباً من سادة قريش أن يخلوا بينه وبين الناس على قاعدة لكم دينكم ولي دين. ولما اشتد الأذى الذي تعرض له العشرات من المسلمين الأوائل، أذن لهم الرسول. صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى الحبشة، وهناك عاش المسلمون في ظل الاحترام المتبادل الذي افضى في الأخير إلى اسلام ملك الحبشة آنذاك. وعندما هاجر المسلمون إلى يثرب، وقع الرسول صلى الله عليه وسلم مع اليهود ومشركي يثرب وثيقة المدينة التي أسست لمبدأ المواطنة واحترام الحريات الدينية مع توحيد الجميع على مبدأ الدفاع عن الوطن. وقد ساعدت تعاليم الإسلام، بما فيها توصيات الرسول الكريم على بقاء الديانة المسيحية في أرض العرب حتى اليوم، بالاضافة إلى الديانة اليهودية، على الرغم من الغزوات والحروب التي خاضها الرسول معهم في جزيرة العرب. إن المسلمين معنيون قبل غيرهم بإبراز الصورة الإنسانية للإسلام وبني الاسلام من خلال تجسيدها في سلوكياتهم وتعاملاتهم بدلا من الصراخ المستمر إزاء الإساءات التي تظهر هنا وهناك بحق الاسلام والنبي محمد صلى الله عليه وسلم. والتأسي به - عليه الصلاة والسلام - لا يعني فقط تقويم السلوك الفردي للمسلم، لكنه يتعدى ذلك إلى اصلاح المجتمع من خلال التزام القيم الكبرى التي جاء بها الإسلام، الحرية، العدالة، الشورى، المساواة، التكافل الاجتماعي وغير ذلك. وإذا كانت هذه القيم قد غدت بمثابة الحقائق في المجتمعات الغربية، فذلك يؤكد أهمية المشترك الإنساني الذي يمكن أن يجتمع عليه المسلمون مع غيرهم من أبناء الديانات والثقافات الأخرى بل ويمكن لنا أن نقدم الرسول الكريم كنموذج إنساني للعالم قاطبة من خلال مراجعة التاريخ الإسلامي، وتنقيحه من بعض الدسائس التي عادة ما تجلب انتقادات شتى المسلمين في غنى عنها. محمد الإنسان، ما يزال مغيباً في كتاباتنا وتناولاتنا، ربما لأننا افتقدنا معنى الإنسانية بعد حقبة طويلة من التقهقر والتخلف والإنحطاط. الرسول الإنسان في سلوكياته مع أهله صلى الله عليه وسلم ومع عموم مجتمعه، موضوع حري بالبحث والدراسة والتأمل، ولعله الإسهام المطلوب من كل الباحثين في ظل التجاذبات حول الإيديولوجيات والأفكار التي يمكن ان تحكم العلاقات الدولية في الحاضر والمستقبل. ليست الأنسنة اذاً نبتة شيطانية، فهي وإن كانت قد ازدهرت وأثمرت خارج حدود العالم الاسلامي، فإن جذورها تمتد إلى البقاع الطاهرة التي احتضنت محمداً قبل 1431 عاماً.محمد الذي قال لامرأة كانت ترتجف بين يديه، هوني عليك إنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد بمكة. محمد الذي طالما كان يقول "إنما أنا بشر يوحى" محمد الذي عندما فتح مكة منتصراً، قال لأعدائه "اذهبوا فأنتم الطلقاء". صلى الله على محمد وعلى الطاهرين من آله وصحبه. مدير عام وزارة التخطيط / متقاعد فاكس 6658393